حسين شبكشي


لا بد أن يفرك المرء عينيه جيدا كلما استمع أو شاهد تصرفات وتصريحات رئيس الوزراء العراقي الحالي، نوري المالكي. يتذكر أنه يمثل laquo;الشرعيةraquo; الحقيقية، بحسب قوله، في العراق.

اليوم المشهد العراقي laquo;طائفيraquo; بامتياز، وفيه فلتان أمني كبير، وانشقاق سياسي عظيم، وتقسيم جغرافي مهول، ساهم فيها بوضوح شديد رئيس الوزراء نفسه وأسلوبه القمعي في إدارة شؤون البلاد، وهي مسألة أجمع عليها أنصاره قبل أنداده.

نوري المالكي خسر الانتخابات البرلمانية الأخيرة أمام الدكتور إياد علاوي، ولكن تمكن من إحداث تحالف من مختلف عناصر التيارات السياسية بالعراق، من سنة وتركمان وأكراد، وبات له العدد الكافي والمطلوب من الأصوات ليفوز بالمنصب.

ساعده في ذلك الأمر المباركة الدينية للمرجعيات الشيعية الرئيسية، إضافة للموافقة الأميركية سياسيا وعسكريا، وحمايته بطبيعة الحال.

هذا الاتجاه، وخلف كل ذلك كان هناك التأييد الصريح من قبل إيران كجارة وثقل موجود في الداخل العراقي نفسه، ولكن نوري المالكي بدلا من أن يستثمر هذه الفرصة لبناء وتعزيز laquo;كيانraquo; العراق المهدد سياسيا وجغرافيا، ويرسل برسائل عملية حقيقية وملموسة لطوائف العراقيين المختلفة، سواء أكانوا من السنة الذين باتوا يستشعرون أنهم مقصودون ومستهدفون إقصائيا، ومن المسيحيين الذين تم تهديدهم وقتلهم وتهجيرهم رويدا رويدا، ولكن المالكي كان يصفي حسابات قديمة من أرشيف حزب الدعوة وملفاته إبان حكم البعث وصدام حسين، وبات الكل متهما بالانتماء لهذه الحقيبة وهذا الحراك، حتى ولو كان ضمنيا وعلنيا من أنصار كتلة المالكي السياسية نفسها، كما حدث مع طارق الهاشمي وصالح المطلك، الشخصيتين الوطنيتين المعروفتين، اللتين لولا انضمامهما لكتلة المالكي لما تمكن المالكي من أن يحقق العدد المطلوب من الأصوات وينال الثقة في البرلمان، ويصبح بالتالي رئيسا لوزراء العراق.

لا يعرف، وقد يعرف، المالكي أنه بهذه التصرفات يدفع سريعا جدا بتكريس فكرة تقسيم العراق والتعامل معه بشكل يقيني على أنه دويلات، وهي المسألة التي ظهرت laquo;بلجوءraquo; نائبه طارق الهاشمي إلى إقليم كردستان الشمال، والتعامل مع المسألة وكأنها طلب للجوء السياسي إلى سويسرا أو جزر الكاريبي مثلا.

وقد لقي أسلوب المالكي في طريقة اتهام وملاحقة الهاشمي النقد الحاد من رئيس الجمهورية، جلال طالباني، وزعيم إقليم كردستان مسعود بارزاني، وكذلك أيضا من الكثير من الزعامات الأخرى، مع عدم إغفال الامتعاض الأميركي بما حدث وأنه كان مسألة مبيتة، إذ تمت غداة انسحاب القوات الأميركية الأخيرة من أراضي العراق بصورة رسمية معلنة شرعية المالكي، وهو الذي جاء برعاية قوات أميركية وعلى دباباتها، وفي انتخابات لا تخلو من التدخل الطائفي والنفوذ الخارجي.

لا يمكن مقارنة شرعيتها بشرعية المنصف المرزوقي، رئيس تونس، الذي انتخب مؤخرا بشكل حضاري، وبشكل laquo;خال من الكولسترول السياسيraquo;، فلا اعتراض ولا شبه ولا ريبة ولا شك في اختياره، إنها إرادة الشعب حقيقة وليست تدبيرا. هذا هو معيار الاختيار ونموذج القياس الذي ستتم مقارنته اليوم في الجمهوريات العربية، إنه معيار laquo;المنصف المرزوقيraquo;، لم يصفِّ خصومه ولم ينتقم، ولم يدر معركة بين أهل الشمال الذين حرموه وحرموا أهله وأهل منطقته في الجنوب من المال والوظيفة والعدل والتنمية والخير، لما كان معروفا في تونس أن الجنوبيين كانوا هم المنبوذين، ولم يكن سيلومه أحد لو فعل ذلك، فالانتقام يأخذ صورا شتى ومختلفة.

ولكن المالكي اليوم يشكل حال قيادي حزين لبلد عظيم يتفكك ويتمزق على عهده، ولن يكون عمر البشير الرئيس السوداني الذي أضاع جنوب بلاده هو وحده الذي سيسجل له هذا الإنجاز، ولكن يبدو أن نوري المالكي أيضا يسير على نفس الدرب المخجل. العراق يستحق أحدا أفضل من نوري المالكي يحافظ على جغرافيته وعلى شعبه معه.