سمير عطا الله

تزدهر في لبنان كل نهاية عام وبداية آخر صناعة التنجيم وضرب الودع على شاشات التلفزيون وفي الصحف والمجلات. وقارئو كف الدنيا وكاشفو أسرار الأرض ومراقبو حركة الفلك، نجمة نجمة وكوكبا كوكبا، يختلفون في الأسلوب ويلتقون في رفع عدد الكوارث: زلزال ضخم يضرب منطقة مكتظة بالسكان تنجم عنه كوارث اجتماعية.
ويبدو أن العاملين في هذا الحقل من مدمني قراءة الصحف: الربيع العربي يمتد إلى كل المغرب العربي وlaquo;الإخوانraquo; يحكمون. وهناك تنجيم أكثر عمقا: رئيس ليبي في نظام يستند إلى الشريعة الإسلامية. هنا لا يقرأ المنجم الصحف فقط بل يسمع أيضا خطب مصطفى عبد الجليل.
لكن هناك النوع الذي يزرع الشكوك والخوف والهم في نفوس شخصيات لا عد لها: سياسي بارز يتعرض لمحاولة اغتيال. عائلة فتية تصاب بكارثة. فنانة كبرى تسقط على المسرح. ثلاثة طلاقات في الوسط الفني. فنان شهير يعقد قرانه على فنانة مغمورة.
عموميات من نوع مضحك أو من نوع أكثر إضحاكا. وهناك العراف (والعرافة) السياسي الذي يتوقع نصرا لأصحابه وكسرا لخصومه. وهناك من يخبرنا بأن المريخ سوف يعانق كوكب الزهرة، ولذلك فإن الأمير هاري سوف يعيش قصة حب خارج الزواج. مجموعة ليال يمضيها اللبنانيون وهم يصغون إلى توقعات السنة الجديدة، تفيد منها بصورة خاصة التلفزيونات التي تتنافس على الدخل الإعلاني في هذه المناسبة. وطبعا يستفيد أيضا قارئو كف الأرض وصفحة السماء والذين يرصدون مزاج المشتري في الدوران على نفسه وما من يمن عليه بحبوب الدوخة.
أحصى الزميل أحمد منتش في laquo;النهارraquo; ماذا تحقق من توقعات المنجمين في العام الماضي وماذا لم يتحقق، وكانت النتيجة حوالي 3 على مائة. وهذه كما هو واضح نسبة غير مشجعة إطلاقا. ولكن مَن مِن الناس سوف يتذكر بعد عام مائة laquo;تنجيمةraquo; على الأقل، هذا عدا ظهور طبقة جديدة من العرافين الجدد كل عام. وهؤلاء تختص بهم زميلة أسبوعية على مدار السنة. وهؤلاء يقتلون على ذوقهم ويزلزلون الأرض حيثما يشاءون وينشرون الأوبئة كما في القرون الوسطى، أو كما حل بجيش نابليون في مصر.
مسكين الإمبراطور، ظلت زوجته جوزفين تخدعه من أجل البقاء مع عشيقها في فرنسا. مرة تكذب بأنها مريضة ومرة تكذب بأنها حامل. وسرت الأخبار فشعر بونابرت بالإهانة أمام جيشه. فسأل ماذا يفعل؟ فقيل له: اتخذ لنفسك عشيقة! كل بداية سنة يعرف اللبنانيون أن ثمة من يضحك منهم أكثر من جوزفين.