سلمان الدوسري

في ظل الموجة الهوجاء التي تعاكس المنطق، وتصبُّ الزيت على النار، لا نقول إلا: هذا يومكم يا شرفاء القطيف، فكنتم، وما زلتم، أبناء بارين لهذه المملكة، لا يزايد عليكم أحد، ولا يلغي مواطنتكم إلا متجنٍ، وها هم المطلوبون ومَن خلفهم يريدون بالوطن شرا، وأنتم تريدون له خيرا، فلا تتركوا الفرصة لهم، فإن خطرهم على أهلنا في القطيف، أضعاف خطرهم على باقي أجزاء البلاد.

لم يكن إعلان وزارة الداخلية، قائمة المطلوبين الـ 23 في أحداث القطيف الأخيرة، مفاجأة للمتابعين للشأن السعودي، فهذه القائمة كانت متوقعة ومنتظرة، فلا يمكن أن تمر مثل هذه الأحداث الخطيرة، دون تحديد الجناة الذين طعنوا الوطن في خاصرته، وكما تعوّدنا في خطوات ''الداخلية'' السعودية، فإنها لا تستعجل ولا تأخذها ردة الفعل الغاضبة، مهما كان الفعل عنيفا، وحتى عندما صدر البيان، كان الأمر حاسمًا كحد السيف: لا يمثلون أهل القطيف الشرفاء.

المثير أنه فيما تصرّ وزارة الداخلية على أن هؤلاء المطلوبين لا يمثلون طائفة الشيعة من أهالي القطيف الشرفاء، بقدر ما يمثلون أنفسهم وتنفيذًا لأجندات خارجية، فإن هذه الحجة أصبحت مكشوفة لكل مَن يحاول ويخادع ويمرّر أجندته السياسية من خلال تجييش المشاعر وعمليات التحريض. فجميع الطوائف منسجمة مع قيادتها ومؤسسات الدولة. لكن ''رب ضارة نافعة''، فهذه الأحداث تكشف حقيقة مواقف كثيرين، يستغلون أزمات الوطن لتصفية حسابات شخصية، فبئس ما يصنعون.

الخطوة المنتظرة من شرفاء القطيف جميعا، هي المساعدة على تسليم هؤلاء المطلوبين، مع حقهم، كغيرهم، في محاكمة عادلة تحفظ حقوقهم، كما تحفظ للوطن حقه، أما ما لا ننتظره إطلاقا، ومع الأسف نتوقعه، أن يخرج علينا أحد من رجالات القطيف في خطبة الجمعة المقبل، ليبرر ويلف ويدور، وفي النهاية يكون الهدف المكشوف، هو تغطية الجرائم التي قاموا بها، عندها ستكون الرسالة واضحة لا لبس فيها، التحذير من التجاوب مع بيان وزارة الداخلية، وتأييد أعمال الشغب التي حدثت.

ربما كان لافتًا تأكيد المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، أنه بإمكان الصحافيين زيارة القطيف في أي وقت، بعد أن سعى البعض من أهالي القطيف، مع الأسف، لتصوير المدينة وكأنها محاصرة بالمدرعات والمجنزرات وممنوع الدخول إليها والخروج منها، بينما الحقيقة التي يعرفها كل من زار القطيف خلال الفترة الماضية، وكنت منهم، أنها تستقبل زوّارها بصورة اعتيادية، وأهاليها يمارسون أعمالهم وتحركاتهم دون أي تغيير يُذكر، لكن لا مانع من ترديد المبالغات في بعض الأحيان، فهذه البضاعة أصبحت رائجة في الآونة الأخيرة!

ليست المرة الأولى التي تصدر السلطات السعودية قوائم بالمطلوبين، فقد استطاعت قص أجنحة تنظيم القاعدة عبر محاصرة المئات من المطلوبين منهم، وتمكنت من القبض عليهم وإثبات الجرائم التي اقترفوها، الفرق أنه في حالة مطلوبي ''القاعدة'' كان الجميع في خندق واحد مع الدولة ولم يعتبر أي طرف أن القضية موجهة ضد أي فئة، أما في حالة مطلوبي القطيف، فقد كانت المفاجأة عندما تبدلت المواقف وسقطت الأقنعة، وظهر لنا مَن أراد لنا تحويرها كفعل طائفي، ومِن مَن؟ من الدولة ضد أبنائها!

المواقف لا تُشترى ولا تُباع، وسقوط الأقنعة في أحيان كثيرة يفيد ولا يضر، فشكرًا لمَن كشف عن وجهه الحقيقي، وشكرًا لشرفاء القطيف.