أحمد أميري

من بين الألقاب التي يحظى بها أي ولي فقيه، في البلد الذي تمثل فيه ولاية الفقيه العمود الفقري للنظام، لقب quot;ولي أمر المسلمينquot;، رغم أن أتباع المذهب الذين يتبعه هذا الولي يعتبرون أقلية صغيرة في بحر من المسلمين الذين يتبعون مذاهب أخرى، ورغم أن من يقلّدون هذا الولي من أتباع مذهبه أقلية أيضاً بين أتباع المذهب نفسه، لكنها quot;الأستاذيةquot; كما يقول عنها المرشد العام لـquot;الإخوان المسلمينquot; في مصر.

كتب مرشد quot;الإخوانquot; في مصر، ولا أدري إن كان من الصواب أن نقول بعد الآن quot;إخوانquot; مصر على ضوء ما قاله المرشد في رسالته الأخيرة بعنوان quot;وضوح الهدف والإصرار عليه... طريق النهوضquot;، فقد ذكّر بالبدايات وبغاية الجماعة في لحظة التأسيس، وهي غاية قريبة من خلال كذا وكذا، وغاية بعيدة من خلال كذا وكذا، quot;تبدأ بإصلاح الفرد ثم بناء الأسرة ثم إقامة المجتمع ثم الحكومة فالخلافة الراشدة فأستاذية العالم... أستاذية الهداية والرشاد والحق والعدلquot;.

ويشير مرشد quot;الإخوانquot; بعد دغدغة المشاعر بالخلافة الراشدة التي هي الغاية البعيدة لجماعته، إلى quot;ثوراتنا المباركةquot;، وليس الثورة المصرية فحسب، فـquot;...quot; في مصر كما قال المرشد العام السابق لـquot;الإخوانquot;، ثم يقول كلاماً جميلاً إلى أن يقول: quot;وأصبحنا قريبين من تحقيق غاية عظمى بإقامة نظام حكم عادل رشيد بكل مؤسساته ومقوماتهquot;، وإنهم بفضل الله وquot;ببركة الشورىquot; يسيرون في طريقهم ويصرّون عليه لتحقيق أهداف الأمة.

وفي طول وعرض رسالته التي تقترب من ألف كلمة لم يذكر فيها كلمة quot;مصرquot; ولا مرة واحدة، ولولا أنه ذكر كلمة quot;وطنquot; مرة واحدة، وكلمة quot;مسيحيينquot; مرة واحدة، لما عرف المرء من الذي يوجّه هذه الرسالة، لكن واضحٌ إلى من يوجّهها، ويكفي استخدام مصطلح quot;الخلافةquot; لنعرف أنه يخاطب المليار ونصف مليار مسلم، ويريد أن ينسف العالم ويقيم نظاماً دولياً جديداً، فيه دولة خلافة إسلامية وحاكمية وأستاذية تتعامل مع بقية الدول باعتبارها دول شرك وكفر تجب هدايتها بالموعظة الحسنة أو بالسيوف الصدئة.

ارتدى quot;الإخوانquot; المصريون رداء الديمقراطية والدولة المدنية على عجل بينما الرئيس المصري السابق يترنّح على الكرسي، وتظاهروا بأنهم شركاء في الثورة المصرية ويؤمنون بأهدافها التي لم تكن خلافة ولا رشادة ولا أستاذية، ولا أدري ما الذي تبقى من هذا الرداء بعد هذه الرسالة الواضحة والمباشرة، ولا ما الذي تبقى من الشراكة في ثورة مع مجموعة من شباب مصر الحالم، إذ يبدو أنهم أكبر من مصر، وأنهم جماعة شورى وثيوقراطية، وأنهم يهدفون إلى إقامة خلافة إسلامية، وأنهم أساتذة العالم.

ولو كانت هذه الرسالة قد كتبت قبل أن تفوز جماعته (الواجهة السياسية للجماعة متمثلة بحزب الحرية والعدالة) بالأغلبية في الانتخابات التشريعية التي تُجرى حالياً، لجاز القول إنها كتبت بحبر الأمنيات وبقصد دغدغة العواطف ومخاطبة القلوب، لكن مثل هذه الرؤية في هذا الوقت تعني أن الجماعة لا تعترف بالقطرية ولا بالسيادة الوطنية وإنما بالأممية والزعامة الإسلامية وأنها مصمّمة على المضي في طريق تديين الدول ثم لمّ شملها تحت عباءة خليفة المسلمين.

لا تنكر هذه الجماعات اعتقادها بتفوّقها الديني على سائر المسلمين، وتفوّقها الأخلاقي على سائر الخلق، لكن قد يكون مهماً أن يجتمع quot;خليفة المسلمين الجديدquot; مع quot;ولي أمر المسلمينquot;، ليتفقا على صيغة معينة في توزيع مهام الإشراف على العالم.