سمير الحجاوي

تخطئ جامعة الحكومات العربية إذا ظنت أنها بتقريرها عن الوضع في سوريا تساهم بصناعة الحل الذي يمكن الشعب من الحصول على حقوقه المشروعة وإنهاء الحكم الاستبدادي لنظام بشار الأسد.
هذا التقرير الذي يساوي القاتل بالمقتول والجاني والضحية يظهر عجز الجامعة العربية ومراقبيها عن العمل بشفافية ونزاهة، مما يضعها في مواجهة تهمة التواطؤ مع النظام البعثي بشكل مباشر أو غير مباشر، فتقريرها مخيب للآمال ولا أخلاقي ويفتقر للموضوعية، وكأن هم المراقبين العرب وجامعتهم هو إنقاذ النظام البعثي بقيادة بشار الأسد، وترك كتائب الأسد وشبيحة البعث تعيث في الأرض فسادا، وينتهكون حقوق الناس ويحاصرون المدن وينشرون القناصة لاصطياد الأبرياء وسفك دمائهم في الشوارع والبيوت.
ما يقوم به نظام الأسد في سوريا جريمة ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما يرقى إلى الإبادة الشاملة، وإلا فكيف يمكن تفسير قتل 6500 مواطن سوري، وربما الآلاف غيرهم، وكيف يجيب المراقبون العرب عن تكدس آلاف الجثث في القواعد العسكرية لكتائب الأسد والتي تحدث عنها شهود عيان رأوها بأنفسهم، وكيف يفسرون وجود 17000 مفقود لا يعرف فيما إذا كانوا أحياء أم أمواتا.
الشعب السوري حسم أمره وهو يريد إسقاط النظام وصناعة مستقبله بعيدا عن حكم الفرد وعائلة الأسد وحزب البعث، وإنهاء أسطورة الحزب القائد للدولة والمجتمع، ووقف الاستبداد والقتل والانتقال إلى زمن جديد من الحرية يسود فيها القانون وصندوق الاقتراع وحكم الشعب.
مشكلة الشعب السوري أنه يواجه بعض الأنظمة العربية التي لا تريد ترك نظام الأسد ينهار، وهي تريد حلا على الطريقة اليمنية، أي التخلص من الرأس، وإبقاء النظام على ما هو عليه مع بعض التعديلات التي تضمن استبدالا تدريجيا للنظام بما يضمن فشل الثورة السورية أو إفشالها، للحيلولة دون حدوث تغيير حقيقي على الأرض.
هذه اللعبة مكشوفة، وصارت من المحفوظات في الحركة السياسية لهذه الأنظمة، ولا تنطلي على أحد، وهو ما يضع الشعب السوري في مواجهة الحقيقة المرة ألا وهي أنهم يواجهون النظام البعثي الأسدي المدعوم من النظام العربي الرسمي الذي تمثله جامعة الحكومات العربية، وهذا ما سيرفع ثمن التخلص منه.
ما تقوم به جامعة الحكومات العربية غير أخلاقي ويفتقر للإنسانية والأخوة والدين، فهي لم تقدم للسوريين أي حل أو أمل، فلا عنف النظام الأسدي البعثي توقف، والقتل مستمر وسفك الدماء لا يزال على حاله، وإستراتيجية البعض لتغيير النظام من دون الاستجابة لكل مطالب الشعب السوري هي ضرب من الوهم الذي لن يتحقق أبدا، والمطلوب من الجامعة العربية ومراقبيها هو تنفيذ بنود البرتوكول الذي يقضي بوقف القتل وسحب الجيش والدبابات وإنهاء حصار المدن، وإطلاق سراح المعتقلين وإتاحة الفرصة للإعلاميين ووسائل الإعلام لدخول المدن والقرى السورية لكشف الحقائق.
الحكومات العربية لم تتسامح مع نظام العقيد معمر القذافي، وتدخلت بكل قوة إلى جانب الشعب الليبي وساعدت على الإطاحة بعقيد الدم، والشعب السوري يستحق هو الآخر الدعم والنصرة على الطريقة الليبية، أم أن الليبيين عرب والسوريين غير عرب؟ أو أن الدماء السورية لا تنتمي إلى زمرة الدماء العربية التي يجب أن تصان ولا تراق؟
نظام الأسد البعثي أغرق العرب في متاهة الدم، وهو متمسك بالسلطة حتى قتل آخر سوري، والسوريون يفهمون هذا الأمر جيدا، وهم لن يتوقفوا في منتصف الطريق في ثورتهم، فالثورات لا تقف في منتصف الطريق، وهذا ما يجب أن تفهمه جامعة الحكومات العربية ومراقبوها الذين يعانون من مراقبة حكوماتهم وقيودها ومن مراقبة شبيحة الأسد، ولكي لا يتحول المراقبون إلى شهود زور على واحدة من أهم المراحل المفصلية في تاريخ الشعب السوري.