عدنان حسين


أحسنت وزارة الداخلية الصنع، وأحسنت أيضاً توقيت هذا الصنع. ففي مبادرة غير مسبوقة لا في تاريخ العراق ولا في تاريخ المنطقة بأسرها اختارت الوزارة مناسبة الذكرى التسعين لتأسيس الشرطة العراقية للاعتذار عن الممارسات القمعية لقواتها وأجهزتها في عهد النظام السابق.

الوزارة قالت في بيان يوم الأحد quot;يعتذر أبناء القوات الأمنية في وزارة الداخلية من الشعب العراقي عن الممارسات التي حدثت خلال حكم النظام السابق المقبور إثر زجّهم في ممارساته التي لم تكن من واجباتهم أصلاًquot;.
هذا هو من حُسن الصنيع والتهذيب بالتأكيد، وسيكون الأحسن منه بالطبع ألاّ تتكرر ممارسات النظام السابق، فبخلاف هذا كان الاعتذار لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به، وهذا ما وعد به البيان نفسه ضمنياً، فالنظام السابق انتهى وممارساته أصبحت من الماضي الذي يبتعد العام بعد العام، والاعتذار لا قيمة مادية له، أي انه لا يعيد الحياة إلى الشهداء مثلاً.. قيمته معنوية، وهي ستكون قيمة نفيسة للغاية إن غدت ممارسات نظام البعث مجرد ذكرى بغيضة من الماضي.
لكن السؤال الكبير هو: مُن يعتذر عن الممارسات السلبية، بما فيها القمعية، للنظام الحالي ومتى؟
من يعتذر ومتى عن عمليات الدهم العشوائية التي أضير منها أبرياء (الأجهزة الأمنية غالباً ما تبررها بأنها غير مقصودة وان الظروف غير الطبيعية أرغمتها على اتخاذها)؟ ومن يعتذر ومتى عن الاعتقالات غير القانونية الذي امتد الكثير منها إلى أشهر وسنوات؟ ومن يعتذر ومتى عن عمليات التعذيب التي طاولت أبرياء؟ ومن يعتذر ومتى عن أعمال القتل التي quot;لم تكن مقصودةquot; هي الأخرى؟
من يعتذر ومتى عن القمع الوحشي للمتظاهرين، بمن فيهم النساء، الذين خرجوا في 25 شباط من العام الماضي والأسابيع التالية في ساحة التحرير وغيرها من ساحات البلاد للمطالبة سلمياً بإصلاح النظام السياسي (بإلغاء نظام المحاصصة المذموم حتى من الطبقة السياسية الحاكمة بكل ائتلافاتها وكتلها) ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتوفير الكهرباء وسائر الخدمات الأساسية؟
من يعتذر ومتى عن التجاوز على الحريات والحقوق التي كفلها الدستور؟
من يعتذر ومتى عن الاستشراء المتفاقم لنهب المال العام والعبث به؟
من يعتذر ومتى عن بقاء مئات آلاف الشبيبة من دون عمل سنوات عديدة وانسداد آفاق المستقبل أمامهم؟
من يعتذر ومتى عن السكوت على عمليات تزوير الشهادات والوثائق وإبقاء أبطالها يسرحون ويمرحون ويأمرون وينهون في مرافق الدولة من أعلاها إلى أدناها؟
من يعتذر ومتى عن بقاء وباء الأمية والجهل والتخلف يضرب العراق من أقصاه إلى أدناه؟
من يعتذر ومتى عن وجود ملايين العراقيين في المنافي القريبة والبعيدة حتى اليوم؟ وعن استمرار تدفق المزيد من المهاجرين إلى الخارج؟
من يعتذر ومتى عن المناكفات والمنافسات والتشاتمات والمزايدات والصراعات والمؤامرات بين quot;قيادات البلدquot; والتي تزيد البلد خراباً هائلا ودمارا شاملا؟
ممارسات النظام السابق صارت ماضيا، ونحن أبناء الحاضر فمن يعتذر ومتى عن ممارسات الحاضر.
من يعتذر ومتى عن وعن وعن وعن...؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟