سمير الحجاوي

ما يجري في سوريا عبارة عن فصل مأساوي تراق فيه دماء الشعب السوري أمام العرب والعالم دون أن يحرك أحد ساكنا لوقف آلة القتل الدموية لنظام بشار الأسد، لكن أفظع فقرات هذا الفصل هو الدور الرديء لمراقبي الجامعة العربية الذين يرأسهم متهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور، أو على الأقل تدور حوله الشبهات، وهو دور لم يستطع أن يوقف حمام الدم في سوريا ولا حماية الأبرياء، ولا توفير الأمن حتى لبعض أعضاء الوفد أنفسهم إضافة إلى الصحفيين الذين تم استهدافهم وقتل أحدهم وجرح آخرون.
هذه الحصيلة الدامية منذ أن دخل مراقبو جامعة الحكومات العربية تعني الفشل الكامل للمهمة التي لم تحقق أي بند من بنود البروتوكول الذي ذهبوا بموجبه إلى سوريا، فلا القتل توقف، ولا الدبابات سحبت ولا الشبيحة رحلوا ولا القناصة انزلوا عن سطوح البنايات ولا المعتقلين أطلق سراحهم، وبدلا من ذلك ازدادت وتيرة عنف النظام، ووصل عدد القتلى منذ بدء مهمتهم إلى ما يقرب من 500 قتيل، وارتفعت وتيرة استهداف المدن مثل حمص ودير الزور، وهي نتائج تسير في الاتجاه المعاكس لمهمة مراقبي جامعة الحكومات العربية.
وترافق مع هذا الإخفاق خروج رئيس النظام البعثي السوري بشار الأسد على العلن في جامعة دمشق ليلقي خطابه الرابع ليؤكد إعلانه الحرب على الشعب السوري، ويعتبر المتظاهرين جماعات إرهابية، ويهدد بالتصدي لهؤلاء الإرهابيين quot;الشعب السوريquot; بالسلاح والحرب ويعلن النفير بين جنوده وشبيحته لمواصلة قتل المتظاهرين quot;الإرهابيينquot;.. يحدث كل هذا فيما يتواصل تدفق الدم السوري في الشوارع وبتغطية إقليمية ودولية.
أعتقد أن المشهد السوري تبلور في صورته الأخيرة، وصار من السهولة القول إن نظام بشار الأسد لن يترك السلطة أبدا بشكل سلمي وأنه قرر القتال دفاعا عن احتكاره للسلطة، وأنه لا يوجد أي خيار سياسي يمكن أن يحل القضية التي صارت مرهونة بين هزيمة النظام البعثي أو هزيمة الشعب السوري، أي هزيمة الإرادة الشعبية، وهو ما لم يحصل أبدا.
للأسف الشديد فإن جامعة الحكومات العربية ومراقبيها يتحملون حاليا قسطا لا بأس به من مسؤولية سفك الدم السوري لأنها أخذت على عاتقها التوصل إلى حل سياسي يضمن حصول الشعب السوري على حقه بحكم نفسه، هو ما لم يتحقق، ولذلك فهي مطالبة على إخراج الوضع السوري من المأزق واتخاذ قرارات أكثر جدية وفاعلية بإعلان الفشل والانطلاق إلى الخطة البديلة بإحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، والاستعداد لدعم الشعب السوري على غرار ما حدث في ليبيا.
إضاعة الوقت لا تجدي ولا تعني سوى سفك المزيد من الدماء، ولا تعني سوى دخول سوريا في حرب طاحنة بين الأقلية المسلحة حتى الأسنان،التي تحكم سوريا وتتحكم بها، وبين الشعب السوري الأعزل، وهو لن يبقى أعزل إلى ما لا نهاية، فالانشقاقات بين الجنود السوريين وصلت إلى 20 ألف جندي وضابط، وهذا يعني أن المظاهرات السلمية ستتحول إلى مواجهة مسلحة طويلة المدى.
الخيارات في مواجهة النظام البعثي السوري بزعامة بشار الأسد محدودة لأنه يدفع الأمور نحو الخيار العسكري والاقتتال الطائفي والحرب الأهلية، وهو خيار علي وعلى أعدائي يا رب.. أما الخيار السياسي فقد حوله بشار الأسد إلى سيرك دموي تراق فيه الدماء وتتراكم الجثث وتكثر الدموع وتزداد المعاناة وينهار الاقتصاد السوري ويدخل الناس في دوامة الفاقة والجوع.
من الجنون أن يقف العرب عاجزين عن إنقاذ الشعب السوري كما أنقذوا الشعب الليبي، وهذا العجز سوف تكون له تبعات ليس على سوريا وحدها على كل الدول المحيطة بسوريا بل والعالم العربي كله، وأول هذه التبعات تدفق المقاتلين من كل العالم العربي للقتال مع الجيش السوري الحر إذا أعلن الحرب الشعبية طويلة المدى لإسقاط النظام، مما يعني quot;التعريب الشعبي النضالي والجهاديquot; ضد نظام الأسد، مما قد يدفع أطراف موالية للنظام البعثي إلى الدخول في اللعبة وعندها ستمتد المعركة من العراق إلى لبنان مرورا بسوريا ولا يستبعد إلى دول أخرى.. أي الانتقال إلى مرحلة الحرب الكبيرة وهي حرب ستحرق الأخضر واليابس.. ولهذا فمن الأفضل والأقل كلفة إجبار نظام الأسد على الرحيل، وإلا فإن سيناريو الحرب طويلة الأمد ستكون هي الحل، وهو ما يعرفه كل الدارسين للثورات في العالم.