إدريس الدريس

لماذا يسافر السعودي كثيراً.. لماذا لا يدع أي بارقة إجازة ولو قصرت ليشد الرحال ملبناً أو مخلجناً..
لماذا يذهب إلى مرتفعات عالية بحمدون وبرمانا رغم أنه تتوفر لدينا أجمل المصايف في quot;السودةquot; وquot;الفرعاquot; وquot;الحبلةquot; و.. و..
لماذا يذهب السعودي إلى سواحل الخليج في دبي والمنامة والدوحة ولدينا سواحل من ذهب على الخليج العربي والبحر الأحمر؟
لماذا يعرف المواطن السعودي بلاد الغير أكثر من معرفته بلاد الخير؟
لا شك عندي أن الجواب المأثور هو أن البنية السياحية والبيئة التحتية ليست متوفرة ولا تشجع على التسيّح في الداخل، هذا إلى جانب تذمر المواطن من ارتفاع أسعار الخدمات المتدنية أصلا.. أعلم أن هذا هو العذر الجاهز والمعلب.. لكن إلى جانب ذلك كله فإن الواقع والحقيقة الناصعة هي أن السعودي يسافر إلى الخارج ليرى نفسه على عفويتها وكذلك ليرى غيره.
المواطن في الداخل لا يرى إلا نفسه على نحو متكلف ومزيف ولا يرى إلا أهله وعصبته. والمرأة السعودية في الداخل غيرها في الخارج.. هي في الداخل غامضة ومظللة مثل درايش السيارات لكنها في الخارج واضحة في شكلها.. وأحيانا واضحة جداً.. أو أنها أحياناً أخرى واضحة أكثر من اللازم مثل السيارات الكشف!
ليس المواطن والمواطنة فقط على هذا الحال في الداخل، بل إن كل شيء لدينا غامض.. ومبهم.. ومتغط!!
المنازل الجميلة محاصرة بأسوار عالية وعريضة وصماء.. والحدائق الخضراء مسورة أيضاً، والحافلات وسيارات النقل العائلي والسيارات الخاصة مطموسة نوافذها ومجللة بالسواد فلا تعرف وأنت واقف عند الإشارة الضوئية من يقف إلى جوارك هل هو رجل أو امرأة.. واحد أو اثنان أو أكثر.. شبح أم حقيقة.. إنه يراك ولا تراه.
كنت أيام جذوة ونشاط المتطرفين من الخوارج الإرهابيين أرتعش وتصيبني رعدة إذا وقفت إلى جواري سيارة بهذه المواصفات. كانت تنتشر إعلانات مصورة للإرهابيين مع حوافز وأرقام لمن يستدل عليهم.. وكنت كلما وقَفَتْ إلى جواري سيارة مظللة أحدث نفسي أن بداخل هذه السيارة أحد هؤلاء.. لكن كيف أعرف ومن بداخلها يراني من حيث لا أراه.
زد على كل ما مضى أن نوافذ مساكننا مشبكة بقضبان حديدية حتى لتبدو غرفنا المنزلية كما لو أنها زنازن! ولو سألت صاحب المنزل لماذا وضع هذه القضبان لقال لك إنها تحوط أمني يحفظ المنزل في الحل والسفر من مباغتة الحرامي، حتى لكأن الحرامي يملك مهارة القط أو القرد في التسلق والقفز ونسي أن تحوطه هذا من الحرامي قد يوقعه في شر أكبر لو حدث تماس كهربائي أو حريق صغير، ونعلم جميعاًًًًً أنه قد حدث مثل هذا المحذور كثيراً مما أعاق الدفاع المدني في كثير من الحالات.
.. مما ذكر أعلاه ستلحظ أن كل شيء لدينا مسور ومقيد ومغطى..
المنازل والحدائق والمدارس والنساء.. لهذا كله يسافر السعودي إلى الخارج ليرى جمال المنزل والقصور ويرى خضرة الحدائق، وألوان الزهور، ويرى البشر بكافة أجناسهم وألوانهم وأعمارهم وجنسياتهم.. الرجال منهم والنساء.. البيض والسود الكبار والصغار، المواطن والوافد.