فهد إبراهيم الدغيثر


يبقى عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأكثر إثارة للجدل من بين العديد من الجهات الحكومية التي يتصل عملها بالمواطنين مباشرة. سبب ذلك في رأيي هو عدم وضوح وتحديد النظام الذي يعمل به أفراد الجهاز في الميدان، إضافة إلى حماس بعض أفراد الجهاز وغيرتهم. من هنا فالوقت قد آن أن يبدأ الرئيس الجديد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور عبداللطيف آل الشيخ بتأسيس نظام عمل الأفراد وإعلان ذلك لعموم الناس، حتى نبدأ الخطوة الأولى في إنهاء هذا الجدل.
في هذا العصر تحديداً الذي ارتفع فيه عدد سكان المدن السعودية وتعقدت منافع الناس واشتبكت المصالح فإن الاجتهاد قد يتحول إلى فوضى تؤدي في الغالب إلى احتقان، وهذا ما لا نريده ولا نتمنى استمراره، لأنه في النهاية سيؤثر سلباً على روح الرسالة السماوية التي تتمثل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الاختلاط وتفسير هذه المفردة من شخص إلى آخر كان له نصيب الأسد من القضايا التي تواجهها الهيئة. لكن ما هو الاختلاط؟ وما الفرق بينه وبين الخلوة المحرمة؟ هل جلوس الرجل وزوجته في مكان عام مثل محلات القهوة والشاي التي تنتشر في كل شارع ومجمع تجاري ولفترة قد لا تتجاوز النصف ساعة مثيراً للشبهة ويدعو إلى استجواب الرجل أو زوجته تحت تهمة الخلوة؟ أتساءل هنا لأنه سبق أن وقعت حالات ضبط لهذه المشاهد انتهت بخصام وشكاوى.
نحتاج في واقع الأمر إلى إيضاح مثل هذه الأمور حتى نقلل من حالات التصادم التي كثيراً ما تقع. وماذا عن عمل المرأة في بيع المستلزمات النسائية الذي تحول رسمياً إلى واقع منذ أسبوع؟ كتبت في عدة مواقع للتواصل الاجتماعي عن هذا الموضوع مناشداً الهيئة أن تأخذ زمام المبادرة في حماية الفتاة من أي تحرشات أو مضايقات قد تحدث لها أثناء تأدية عملها. البعض ممن تحدثت معهم يرى أن عمل الفتاة في المجمعات التجارية لا بد أن يكون ضمن منطقة معزولة تماماً عن الرجال. لكن ذلك لا يمكن تحقيقه في كل المجمعات التجارية لأسباب اقتصادية. المطور العقاري، وأنا كنت واحداً من هؤلاء، يعاني من تدني دخل الإيجارات للمحلات التي تقع في منطقة مغلقة. وهذا أمر بديهي، إذ إن عدد المتسوقين سيقل وبالتالي تكون الأجرة السنوية للمتر المربع أقل، مما يعني أن العائد على الاستثمار لا يجدي. لو لم يكن هذا حقيقة وواقعا لتسابق المطورون إلى بناء المجمعات المغلقة إذ إن النظام يجيز ذلك. من هنا فواجب الهيئة هو العمل على تأمين الأمن في هذه المواقع بدلاً من مضايقة البائعة، يتحقق ذلك من خلال التنسيق مع أمن المجمعات وتشجيعهم على ضبط الأمن ومنع أي مضايقات قد تحدث. هذا ما هو معمول به عالمياً، إذا لا الهيئة ولا الشرطة قادرون على التواجد في كل مكان في كل الأوقات. تعاون هذه الأجهزة الثلاثة مع بعضها سيشكل منظومة أمنية تحقق لنا أجواء عامة آمنة تستطيع الفتاة أن تعمل وتستطيع المتسوقة أن تتبضع بكل طمأنينة.
هذا يقودنا إلى مبادرة مهمة لم نستغلها بالصورة الإيجابية المأمولة بعد، وهي بناء منظومة الأمن من خلال الاستعانة بكاميرات الرصد والمتابعة داخل المجمعات. بعض هذه المراكز قد يحوي في وقت واحد أكثر من ألف متسوق، وبدون اللجوء لمثل هذه الوسائل المتطورة سيصعب إثبات بعض الحالات التي يقع بها ابتزاز أو تحرش.
أتمنى أن تتعاون الهيئة مع أجهزة الشرطة وأمن المنشآت على تأسيس هذه الوسائل الحديثة وفرضها في كل مجمع تجاري أو أي مكان عام، وتوظيف مراقبين عليها، بما يؤدي في النهاية إلى زرع هيبة النظام والخوف من الوقوع في المخالفات.
وللاختلاط أيضاً علاقة مباشرة بالسياحة المنتظرة في المملكة. كلنا يعرف أن السياحة داخل الوطن ما زالت تئن تحت وطأة انعدام الجودة، واستغلال بعض ضعفاء النفوس من المطورين ممن يرفعون الأسعار دون وجود المنافس الحقيقي الرادع. تنمية السياحة كما نعلم ليس مطلباً للترف، بل هي شقٌّ مفصلي وهام جداً في تنوع الاقتصاد السعودي. لا يمكن للمملكة أن تعتمد فقط على النفط وبعض الصناعة وتتجاهل فرع الخدمات إلى الأبد لخلق فرص العمل مستقبلاً. السياحة تعتبر من أهم مقومات قطاع الخدمات، وكلما أراد المطور تطوير السياحة احتاج إلى زيادة عدد العاملين والرفع من مهاراتهم. ولهذه السياحة فروع، فمنها السياحة الترفيهية والسياحة الطبيعية وهناك أيضاً ما يعرف بسياحة المؤتمرات والمعارض الكبرى والندوات والمناسبات الرياضية العالمية. مؤسف حقاً أن يضطر عدد كبير من رجال الأعمال إلى السفر إلى دولة مجاورة لحضور مؤتمر أو معرض ويتم إنفاق عشرات الآلاف من الريالات لكل فرد؛ بينما يمكننا إقامة هذه الفعالية في بلادنا.
من أهم معوقات سياحة المؤتمرات والمعارض إلى جانب تعقيدات تأشيرة الدخول، حساسية وغموض حالة الاختلاط. وأقصد هنا وجود سيدات محاضرات أو سيدات حاضرات في هذه المؤتمرات. نعم علينا أن نطالب الحاضرات والمحاضرات بارتداء اللباس المحتشم وعدم إظهار مفاتن الزينة، ولكن من غير المفيد الاستمرار في تأسيس أماكن معزولة هنا أو هناك، لا سيما أن الحاضرين لهذه المؤتمرات بالمئات مما ينفي تماماً وجود أي اختلاء غير شرعي. وحسب بعض الإحصاءات التي اطلعت عليها فإن عدد الزوار لمعارض ومؤتمرات دبي وحدها يصل إلى ما يقرب من مليوني شخص في السنة. لا أعلم عن نسبة السعوديين من هؤلاء، ولكنها بكل تأكيد نسبة عالية. وماذا عن السياحة الطبيعية والترفيهية وفرص إقامة المسابقات الرياضية العالمية في المملكة؟
ما أريد الوصول إليه هو إيضاح حقيقة هامة وهي أن الأنظمة الواضحة التي لا تقبل الاجتهاد الفردي ستؤدي إلى تشجيع رؤوس الأموال للاستثمار في بلادنا وإقامة الصروح الكبيرة لاحتضان السياح السعوديين والحفاظ على الأموال السعودية وتدويرها داخلياً. إقبال هؤلاء المستثمرين على الاستثمار في الداخل وهذا هو الأهم بالنسبة لي على الأقل، سيخلق مئات الآلاف من فرص العمل الجديدة. الحقيقة أنه لا توجد دولة في العالم يتساوى أو يزيد عدد سكانها عن عدد سكان المملكة استطاعت أن توظف أبناءها بمعزل عن تنمية قطاع الخدمات الهائل. والمملكة لم ولن تكون الدولة الاستثناء من هذه القاعدة. من يشكك في هذه المعلومات فعليه أن يجيب عن هذا السؤال: كيف سنتمكن من توظيف أربعة ملايين سعودي وسعودية من طالبي العمل الجدد خلال أقل من عشر سنوات إذا لم نطور قطاع الخدمات؟