الرياض السعودية

لم تشهد الأزمة اليمنية تقدما ملحوظا منذ توقيع اتفاقية المبادرة الخليجية، وهو ما دفع بالإعلام والرأي العام الشعبي هناك للتشكيك في نجاح المبادرة نتيجة التوقع بقيام الرئيس علي صالح بالانقلاب عليها، خاصة أن اليمن شهد حالات من العنف تبعت توقيع المبادرة، وكذلك متاعب سياسية تتعلق بعملية انتقال السلطة طبقا لنص المبادرة.
التطور الإيجابي الأخير بقيام البرلمان اليمني بإقرار قانون الحصانة المعدل الذي يمنح الرئيس علي عبدالله صالح حصانة متكاملة من أي ملاحقات قانونية أو قضائية في المستقبل، وكذلك حصانات سياسية لمساعديه، هو تطور ـ وإن اختلف البعض عليه، وخاصة من يرى ضرورة محاسبة الرئيس ـ لا يزال إيجابيا نحو حل الأزمة اليمنية بشكل نهائي، بعد ما يقارب شهورا طوالا من مراوحتها دون أي أفق لإنهاء الأزمة.
هذا التطور نحو منح الرئيس حصانة كاملة، هو جزء أساس من المبادرة الخليجية، مما يدل على أن المبادرة قيد التنفيذ، فالجلسة التي شهدت قيام البرلمان بإقرار الحصانة شهدت أيضا اختيار نائب الرئيس عبد ربه هادي رئيسا توافقيا للبلاد، مما يعني أن اليمن دخل بالفعل مرحلة جديدة من تاريخه بتنفيذ الاتفاقية، ويتبقى في المرحلة المقبلة العمل على ضمان تنفيذها دون انتكاسات من أي طرف من أطرافها، وأن تمضي الانتخابات المبكرة في موعدها.
ربما لم يحظ اليمن بالتغطية الإعلامية والاهتمام السياسي المطلوب مقارنة بدول أخرى في ظل الربيع العربي الذي اجتاح المنطقة، ولكن دول مجلس التعاون عملت بصمت من خلف الستار خلال الأشهر الطويلة الماضية من أجل إنجاح المبادرة، فالأوضاع في اليمن وصلت لمرحلة من التأزم أدخلت اليمن في نفق أكثر ظلمة مما كان فيه، خاصة أن اليمن قبل ثورته وصل لحالة إنسانية في غاية الصعوبة مع نقص الغذاء وكثير من الاحتياجات الإنسانية، وهو ما تفاقم أكثر خلال فترة ثورة الشباب في اليمن. ولذلك فإن الوضع اليمني تطلب هذا التدخل الخليجي للوصول باليمن لبر الأمان، حيث أثبتت الفترة الماضية الانقسام الكبير في صفوف اليمنيين حول الثورة بين مؤيدي الرئيس اليمني ومعارضيه. نجاح المبادرة الخليجية كان أمرا في غاية الأهمية، حيث إن نجاح هذه المبادرة دليل يؤكد أن النموذج المتبع فيها قادر على أن يكون مثالا لحل أزمات مماثلة في العالم العربي لإنهاء إراقة الدماء، وهو حل سياسي وإن لم يعجب الكثير من مؤيدي الثورة الذين يريدون المضي نحو نهاية الطريق؛ إلا أنه الحل الوحيد القادر على المحافظة على الأرواح، وإيجاد مخرج سياسي يعبر بالدولة نحو المستقبل، ومثل هذه الحلول السياسية تتطلب إيمانا من كل الأطراف بالثبات عليها ومداومة الالتزام بالسلم الأهلي وبناء التوافق، حتى تصل الدولة للنتيجة التي تطمح لها تطلعات الشعب.