خيرالله خيرالله

هل من خيارات فلسطينية تتلاءم مع ما تمرّ به المنطقة من ظروف استثنائية؟ قد يكون الجواب ان في استطاعة الفلسطينيين الاستفادة من الربيع العربي في حال امتلاكهم لحد ادنى من المنطق وابتعادهم عن الاوهام. بالنسبة الى الشعب الفلسطيني، ستخف عنه الضغوط التي كانت تمارسها الانظمة العربية وغير العربية التي كانت تتاجر به في ضوء ما تتعرض لها هذه الانظمة، على رأسها النظام السوري الذي تحوّل في السنوات الاخيرة امتدادا للنظام القائم في ايران.
ربما كان الوهم الاوّل الذي يفترض بالفلسطينيين الابتعاد عنه، يتمثّل في الاعتقاد ولو للحظة ان مصر يمكن ان تعود عن معاهدة السلام الموقعة مع اسرائيل في العام 1979. مثل هذا التصرف سيلحق اشد ضرر بمصر كما سيعيد الفلسطينيين الى نقطة الصفر. لذلك، ان اي شخصية فلسطينية تؤمن بمثل هذه العودة المصرية عن معاهدة السلام انما تجهل الف باء السياسة.
ستحتاج مصر الى سنوات عدة لإعادة لملمة اوضاعها. هذا اذا قدّر لها النجاح في ذلك. ليس من خيار امام مصر التي تواجه مشاكل مستعصية بسبب ستين سنة من الحكم الفردي والتجارب الاقتصادية الفاشلة سوى الانصراف الى الداخل. من يظن ان الفلسطينيين سيكونون همّا مصريا انما يعمل من اجل ضرب قضية هذا الشعب الصبور الذي عانى طويلا من السياسات العربية الحمقاء بدءا بالدعوات الى الخروج من ارض فلسطين كي تتمكن الجيوش العربية من تحريرها. حصل ذلك في العام 1948، لكنّ معظم الفلسطينيين لم يتعلّموا شيئا من دروس الماضي. ادت استجابتهم للدعوات الى ترك بيوتهم وقراهم ومدنهم الى ولادة مشكلة ضخمة اسمها مشكلة اللاجئين.
من بقي في ارض فلسطين، من بقي في حيفا ويافا وتل ابيب وقرى الجليل وغيرها من المناطق الفلسطينية يمثّل رمزا للصمود والوطنية الصادقة. وقد بلغت الوقاحة ببعض الدول العربية حدّ الازدراء بفلسطينيي 1948 الذين اطلقت عليهم تسمية laquo;عرب اسرائيلraquo;. هؤلاء فلسطينيون اقحاح رفضوا التخلي عن ارضهم والانجرار الى المزايدات. لم يصدقوا ان من يترك ارضه سيعود اليها. ولذلك يخوضون اليوم حربا من نوع آخر مع اسرائيل التي تسعى الى استكمال عملية تهجيرهم من المدن والقرى التي يقيمون فيها...
من المعيب ان يكون هناك فلسطيني يراهن على تغيير في مصر او في اي دولة عربية اخرى، خصوصا انه سيتوجب على اي حكومة جديدة في مصر، اكانت حكومة الاخوان المسلمين او حتى السلفيين الاجابة عن اسئلة من نوع كيفية معالجة مشكلة الانفجار السكاني وكيفية ايجاد فرص عمل للمصريين بعد سنوات من الفوضى لم يترك فيها النظام مكانا لايّ تخطيط اقتصادي ياخذ في الاعتبار الحاجة الى حد ادنى من العدالة الاجتماعية واهمية التنبيه الى خطورة النمو العشوائي لعدد السكّان.
هل من رهانات فلسطينية في مواجهة حكومة اسرائيلية متطرفة ترفض اي سلام من اي نوع كان اذا لم يكرّس احتلالها لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية؟ الجواب ان هناك رهانات فلسطينية. لو لم يكن ذلك ممكنا لما سعى الملك عبدالله الثاني الى العمل من اجل عودة الفلسطينيين والاسرائيليين الى طاولة المفاوضات. ولما عمل العاهل الاردني خلال وجوده في واشنطن ومحادثاته مع الرئيس باراك اوباما من اجل ان تستوعب الادارة الاميركية ان لا استقرار في الشرق الاوسط في غياب دولة فلسطينية مستقلة laquo;قابلة للحياةraquo;.
تؤدي الاردن دورها في مجال تحقيق تسوية معقولة ومقبولة بين الفلسطينيين واسرائيل من منطلق ان الدولة الفلسطينية حماية للمملكة في مواجهة مشروع الوطن البديل الذي لم يتخلّ عنه يوما اليمين الاسرائيلي، هذا اليمين المتحالف مع كل انواع التطرف الديني في العالم العربي وغير العربي. من المفيد دائما ان يتذكّر جميع المعنيين بالقضية الفلسطينية انّ اتفاق السلام الاردني- الاسرائيلي في العام 1994 والذي سبقه قرار فك الارتباط بين الضفة الغربية والضفة الشرقية في العام 1988 وضعا اللبنات الاولى للدولة الفلسطينية التي يمكن ان ترى النور يوما...
لكنّ الاندفاع الاردني من اجل السلام ليس كافيا اذا لم يتحمّل الفلسطينيون مسؤولياتهم. تفرض هذه المسؤوليات الاقتناع بانّ laquo;حماسraquo; لا تريد مصالحة فلسطينية وان همّها الاوّل الابقاء على laquo;الامارة الاسلاميةraquo; في غزة. اكثر من ذلك، لا مجال امام الفلسطينيين سوى استكمال بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية. عملية استكمال البناء هذه التي تتولاها حكومة الدكتور سلام فيّاض هي المقاومة الحقيقية. انها رفض للانصياع للاحتلال وتاكيد لوجود شعب فلسطيني يسعى الى ان تكون الارض الفلسطينية ارضا مرحبة بأهلها.
قام المشروع الاسرائيلي دائما على طرد الفلسطيني من ارضه. حدث ذلك في العام 1948. استمرّت عمليات الابعاد بعد حرب 1967. ولم تتوقف يوما في القدس والمنطقة المحيطة بها. لا همّ للاسرائيليين حاليا سوى العمل على التخلص من اكبر عدد ممكن من فلسطينيي الداخل.
لا شيء يبقي الفلسطيني في ارضه سوى الابتعاد عن الاوهام على رأسها وهم الرهان على العرب. ليس امامهم سوى متابعة بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية. يفترض في كلّ فلسطيني قادر على مراجعة تصرّفاته ان يتذكّر ان العرب الصادقين هم الذين تعرضوا لسهامه. على رأس هؤلاء الملك عبدالله الاول الذي استشهد في القدس والحبيب بورقيبة، رحمه الله، الذي دعا من اريحا الى قبول قرار التقسيم قبل حرب 1967...
ما يمكن ان يعنيه الربيع العربي بالنسبة الى الفلسطيني انه للمرة الاولى منذ سنوات طويلة، لن يعود هناك بين العرب وغير العرب من سيكون قادرا على المتاجرة بقضيته. صحيح انه في وضع في غاية الصعوبة، لكنّ الصحيح ايضا ان قضيته لا يمكن الا ان تنتصر متى تخلّى عن الاوهام على رأسها ان في استطاعته الاستفادة من تخلي العرب، على رأسهم مصر، عن اتفاقات عقدوها مع اسرائيل في يوم من الأيام!