مأمون كيوان

ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 24 يناير/كانون الثاني 2012 خطاباً عن حالة الاتحاد، يعد الخطاب الثالث والأخير في ولايته الرئاسية الأولى . ويعود تقليد إلقاء الرئيس خطاباً عن حالة الاتحاد إلى عام 1790 عندما تلا الرئيس الأول للولايات المتحدة جورج واشنطن ldquo;رسالته السنويةrdquo; إلى الكونغرس في مدينة نيويورك، التي كانت آنئذٍ العاصمة المؤقتة للولايات المتحدة . ثم تبعه في هذا النهج خلفه جون آدمز . أما الرئيس الثالث للبلاد توماس جفرسون فقد رأى أن مثل هذه الاستعراضات المظهرية لا تليق بجمهورية ديمقراطية جديدة . فبعث برسالة خطية إلى الكونغرس بدلاً من المثول أمامه شخصياً . ونظراً لما كان لجفرسون من تأثير كبير، فقد حذا حذوه الرؤساء اللاحقون على مدى أكثر من قرن من الزمان وبعثوا إلى الكونغرس برسائل سنوية خطية .

وفي عام 1913 أحيا وودرو ويلسون الممارسة التقليدية في إلقاء الرسالة السنوية شخصياً . وبحلول عام 1945 كانت الرسالة الرئاسية السنوية قد صارت تعرف رسمياً بخطاب حالة الاتحاد .

وفي بداية خطابه طمأن أوباما الأمريكيين بأن أمريكا أصبحت ldquo;أكثر أمناً وأكثر احتراماً في جميع أنحاء العالم . وللمرة الأولى منذ تسع سنوات لم يعد هناك أمريكيون يحاربون في العراق . وللمرة الأولى خلال عقدين من الزمن لم يعد أسامة بن لادن يشكل خطراً على هذا البلدrdquo; . ووعد أوباما بسحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان بعد بناء ldquo;شراكة دائمة ومتينة مع أفغانستان، بحيث لن تكون أبداً مصدراً للهجمات ضد أمريكاrdquo; .

واعتبر الربيع العربي الذي امتد من تونس إلى القاهرة، ومن صنعاء إلى طرابلس ودمشق، تحولاً ldquo;لا يُصدّق، فما زال أمراً غامضاً وغير مؤكد . لكن لدينا مصلحة كبيرة في المحصلة النهائية . وبينما الأمر متروك في النهاية إلى شعوب المنطقة لتقرير مصيرهم، إلا أننا سوف نناصر وندعو إلى تلك القيم التي أفادت بلدنا على نحو عظيم . إننا سوف نقف ضد العنف والتخويفrdquo; .

وأعلن أوباما أن ldquo;أمريكا عازمة كل العزم على منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وأنا لن أستبعد أي خيار من الخيارات المطروحة لتحقيق هذا الهدف . لكن لا يزال التوصل إلى حل سلمي لهذه القضية ممكناً، وأفضل بكثير، فإذا قامت إيران بتغيير مسارها والوفاء بالتزاماتها، يمكنها الانضمام إلى المجتمع الدوليrdquo; .

وجدد التزام أمريكا ldquo;الحديدي بأمن ldquo;إسرائيلrdquo; الذي أثمر أوثق ldquo;تعاون عسكري في التاريخrdquo; . ونفى أوباما نفياً قاطعاً مرور أمريكا بحالة تدهور وقال: ldquo;إن نسبة الآراء المؤيدة لأمريكا هي الآن أعلى مما كانت عليه منذ سنوات . نعم، صحيح أن العالم يتغير، وصحيح أننا لا نستطيع السيطرة على كل حادث أو حدث . ولكن أمريكا لا تزال الدولة الوحيدة التي لا غنى عنها في الشؤون العالمية، وطالما بقيت الرئيس، فإنني أعتزم المحافظة على بقائها على هذا النحوrdquo; .

وشدد على أهمية فتح أسواق جديدة للمنتجات الأمريكية . وقال: لن أقف مكتوف اليدين عندما لا يلتزم منافسونا بالقواعد . لقد أقمنا قضايا تجارية ضد الصين بنحو ضعفي ما تم في عهد الحكومة، وليس من الصواب أن يسمح بلد آخر بالقرصنة على أفلامنا وموسيقانا وبرامجنا الكومبيوترية . وليس من الإنصاف أن تتقدم علينا صناعة أجنبية لمجرد أنها تتلقى دعمًا كبيراًrdquo; .

وفي ما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، كان أوباما قد لخص إنجازه الرئيس بالقول: ldquo;في أفغانستان، نقوم بزيادة عدد قواتنا وتدريب قوات الأمن الأفغانية حتى تتمكن من البدء بأخذ زمام المبادرة في يوليو/تموز من عام ،2011 وتتمكن قواتنا من العودة إلى أرض الوطن . وسنكافئ الحكم الرشيد، ونعمل من أجل الحد من الفساد، ونساند حقوق جميع الأفغانrdquo; .

كما أكد أن ldquo;المجتمع الدولي هو أكثر اتحاداً، وجمهورية إيران الإسلامية أكثر عزلة . في حين يواصل القادة الإيرانيون تماديهم في تجاهل التزاماتهم، يجب ألا يكون هناك أدنى شك في أنهم أيضاً سوف يواجهون عواقب متزايدة . وهذا وعد منيrdquo; .

وبمقارنة سريعة بين الخطابين الأول والثالث عن حالة الاتحاد تناسى أوباما ذكر إخفاقاته على أكثر من صعيد . إذ تناسى ذكر ldquo;محنة الفلسطينيينrdquo; التي لا تتلاءم مع المصلحة الأمريكية، تناسى قوله ldquo;هي أمر يجب أن نتنبّه إليهrdquo; . . وتناسى أن يقول أيضاً: ldquo;الوضع ليس في مصلحة ldquo;إسرائيلrdquo; ولا الولايات المتحدة، وعلى الجانبين الفلسطيني ldquo;والإسرائيليrdquo; تقديم تنازلات لإنجاح حل الدولتينrdquo; . ويبدو أن الرئيس الأمريكي تناسى أيضاً فشل جهود مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل واستقالته .

لكن أسوأ أمر تناساه أوباما يتعلق بمستقبله السياسي، فما تضمنه خطابه عن حالة الاتحاد هو أشبه بمسودة خطاب انتخابي لمرشح رئاسي مبتدئ، وتعوز خطاب أوباما أفكار كثيرة جديدة وخريطة طريق تليق برئيس يسعى إلى ولاية رئاسية ثانية . وتتجمع مؤشرات أولية داخلية أمريكية وخارجية دولية منها: تواتر ظهور الحركات الاحتجاجية من طراز ldquo;احتلوا وول ستريتrdquo; وغيرها، والتراجع النسبي لنفوذ الولايات المتحدة على حلفائها الأوروبيين والإقليميين فضلاً عن اعتماد أوباما مبدأ ldquo;القيادة من الخلفrdquo; في إدارة الأزمة الليبية وأزمات أخرى . تفيد هذه المؤشرات وتُرجح أن يكون خطاب أوباما عن حالة الاتحاد في منزلة الخطاب الأخير .