لندن

عمليات القصف المتبادل بين القوات السورية ونظيرتها التركية عبر الحدود تواصلت يوم امس ولكن دون الاعلان عن سقوط ضحايا سواء سوريين او اتراك.
السلطات التركية تقول ان القوات السورية هي التي بدأت بالقصف للاراضي التركية وتحديدا لمحافظة هاتاي مما دفعها للرد الفوري بالمثل، بينما لم يصدر عن الجانب السوري اي نفي او تأكيد.
هناك نظريتان لتفسير هذا التوتر المتصاعد الذي قد يؤدي الى اندلاع حرب اقليمية اذا لم يتم تطويقه بسرعة:
' الاولى: تقول ان النظام السوري يتعمد استفزاز تركيا وكرامتها الوطنية للضغط عليها لوقف دعمها للمعارضة السورية المسلحة التي تريد اسقاط النظام في دمشق وبدأت تشكل استنزافا له.
' الثانية: تشير الى ان بعض فصائل المعارضة السورية المسلحة هي التي تطلق هذه القذائف على القرى التركية لجر تركيا الى حرب لا تريدها.
من الصعب الجزم لصالح هذه النظرية او تلك لانه لا توجد قوات مراقبة دولية محايدة لكي تعطي رأيا جازما في هذا الصدد، ولكن مطالبة روسيا للنظام السوري بالاعتذار عن قصف قرية اكجاكالي قبل عدة ايام ومقتل سيدة واطفالها الخمسة واصابة العشرات، ترجح بان القوات النظامية هي التي اطلقت القذائف السابقة واللاحقة.
النظام السوري يعتبر تركيا مصدر التهديد الرئيسي لوجوده بسبب دعمها السياسي للمعارضة، وفتح اراضيها'لمرور المتطوعين المتشددين الذين يريدون القتال تحت راية الجيش السوري الحر، وكذلك الاسلحة والاموال القادمة من بعض دول الخليج العربي.
وما يذكره النظام في هذا الخصوص صحيح، والسيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي لم ينكر مطلقا دعمه للمعارضة السورية ورغبته في اسقاط نظام الاسد، ولكنه لم يتوقع ان يدفع اي كلفة سياسية او امنية مقابل هذا التوجه.
الشعب التركي لا يريد في معظمه حربا مع سورية، لما يمكن ان يترتب عليها من نتائج خطيرة اقتصادية وبشرية، فجيشه يخوض حربا شرسة في الوقت الراهن مع مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتمرد في شرق البلاد يسقط فيها اعداد متزايدة من ابنائه الجنود، ولا يريد قطعا حربا اخرى اوسع نطاقا.
النظام السوري يراهن على هذه المسألة، ويقدم ذخيرة قوية لحزب الشعب المعارض الذي بدأ يحقق مكاسب شعبية مضطردة، لمعارضته التدخل في سورية، ولم يكن من قبيل الصدفة ان يستقبل الرئيس الاسد بعض قادة هذا الحزب، ويعطي مقابلة تلفزيونية مطولة للمحطة المقربة منه حاول فيها ان يميز بين الشعب التركي والرئيس اردوغان، ويؤكد صداقته للاول وعداءه للثاني.
السيد اردوغان يتجنب حتى الان السقوط في مصيدة الاستفزاز السورية، واكد يوم امس الاول بانه لا يريد حربا مع سورية، بل وسمح باستئناف تزويدها بالتيار الكهربائي تأكيدا على كلامه هذا، لكن الامور تغيرت بسرعة'يوم امس، وعاد السيد اردوغان ليقرع طبول الحرب بقوة عندما انفعل بشكل واضح اثناء اجتماع جماهيري، والقى خطابا حماسيا اكد فيه ان بلاده ليست بعيدة عن خوض حرب مع سورية بعد تجدد الهجمات عبر الحدود.
في تقديرنا ان حديث اردوغان عن الحرب هو من اجل الاستهلاك الجماهيري، ومحاولة تخويف سورية، فاردوغان يعرف جيدا انه بمجرد الانزلاق الى الحرب سيخسر كل ما انجزه على مدى السنوات العشر الماضية، خاصة على صعيد الاقتصاد. ولا نستغرب ان يكون حلفاؤه في الغرب يريدون سقوط حزبه لصالح عودة المعارضة العلمانية الى الحكم، بدليل دفعهم له للتورط في الملف السوري ثم التراجع عن دعمه.