شلومو بروم

كان التصور الرائج في الاشهر الاولى من 'الربيع العربي' ان هذه التطورات تنشئ بيئة شرق اوسط أصعب وأعقد على الولايات المتحدة واسرائيل مما كانت من قبل وأنهما هما الخاسرتان الرئيسيتان من هذا المسار وتخسران أملاكا مركزية وتأثيرا في العالم العربي. وفي حالة اسرائيل يُترجم الواقع الجديد ايضا الى تهديدات أمنية جديدة منها الخوف على مصير اتفاقات السلام مع مصر والاردن واضطراب الامور في سيناء الذي جعل هذه الحدود الطويلة مركز احتكاك أمني. ويبدو في نفس الوقت ان الرابحين هم المعارضون المتطرفون للولايات المتحدة واسرائيل. ومع ذلك يبدو بعد أكثر من سنة ان الواقع الناشيء في الشرق الاوسط العربي أشد تعقيدا وان تحديد الرابحين والخاسرين ليس سهلا جدا.

في المرحلة الاولى من الربيع العربي كان هناك ميل ايضا في اسرائيل على الأقل الى النظر الى التطورات في الأساس بعدسة الصراع بين المحورين الرئيسين في الشرق الاوسط، المحور المتطرف أو محور المقاومة بقيادة ايران ومحور الدول العربية البراغماتية بقيادة مصر والسعودية. وكان الافتراض ان سقوط ادارات كادارة مبارك في مصر يُضعف محور الدول البراغماتية ويقوي المحور الآخر ولا اعتراض على ان سقوط نظام مبارك والاضرار باستقرار نظم اخرى كالنظام الاردني، كانت في نطاق تأثير الولايات المتحدة حافظت على استقرار وعلى علاقات مع اسرائيل وأيدت السلام مع اسرائيل، أضرا بمكانة الولايات المتحدة واسرائيل. وليس عدم الاستقرار المزمن في أعقاب الهبات الشعبية على نظم الحكم وصعوبات الانتقال الى الوضع الجديد جيدة للغرب واسرائيل في الأمدين القصير والمتوسط. ان الميزان الجديد في واقع الامر الذي هو في طور النشوء أكثر تعقيدا وليس ذا معنى واحد. اولا، نشأ في السنين الاخيرة الى جانب الصراع بين هذين المحورين تنافس بين اللاعبتين الصاعدتين غير العربيتين، ايران وتركيا. وقد أبرز الربيع العربي هذا التنافس فوق السطح وزاده حدة. ويتنافس نموذج ايران ونموذج تركيا في نفوس الجماهير العربية التي تمردت على حكامها. والنموذج التركي في هذا التنافس ينتصر بصورة واضحة، وقد انشأ الربيع العربي ايضا مصلحة لتركيا وللولايات المتحدة في تعزيز التعاون بينهما. ومن المنطقي ايضا ان نفترض ان الحكومات الجديدة برئاسة احزاب اسلامية فازت في الانتخابات ستطمح الى ان تشبه النموذج التركي أكثر. ويبدو ايضا ان هذه الحكومات ستطمح الى ان تظل متصلة بالعالم الغربي الذي تتصل به اتصالا اقتصاديا. وينبع من ذلك استنتاجان، الاول ان أهمية تركيا باعتبارها لاعبة ذات تأثير اقليمي تزداد في مقابل ايران. لكن تركيا خسرت في الأمد القصير أملاكا واستثمارات كالعلاقات التي نشأت بالرئيس بشار الاسد والعلاقات الاقتصادية بليبيا، لكنها كيّفت نفسها سريعا وستعيد لنفسها كما يبدو أملاكها بل أكثر منها. والاستنتاج الثاني هو ان التنبؤ بموت التأثير الغربي ولا سيما تأثير الولايات المتحدة في الشرق الاوسط كانت سابقة لأوانها جدا. ان وجوه المتمردين والمحتجين في الدول العربية تتجه الى الغرب والولايات المتحدة على أمل ان يساعداهم بتدخل عسكري احيانا ايضا كما في ليبيا، وقيمهم هي القيم الغربية، لكن الاحزاب الاسلامية تفوز في الانتخابات لكنها تضطر ايضا الى ان تتبنى غير مختارة أو مختارة احيانا القيم التي يؤيدها المحتجون (شباب الثورة).

وثانيا، وفي الواقع الجديد خاصة الذي توجد فيه جوانب شديدة على الولايات المتحدة واسرائيل، يوجد ايضا احتمال تغييرات في نظام القوى في العالم العربي معناها ايجابي للولايات المتحدة واسرائيل. والمثال البارز سوريا التي تهدد الهبة الشعبية فيها نظام الاسد. فاذا سقط النظام فستسقط دعامة من دعائم المحور المتطرف بقيادة ايران. ان النظام الجديد قد يكون معاديا لاسرائيل ايضا لكنه على الأقل لن يتعاون مع ايران وحزب الله اللذين هما حليفين للنظام القديم. واذا لم يسقط النظام ايضا فسيكون تحديا أقل للولايات المتحدة واسرائيل لأنه سيكون ضعيفا، ولهذا ستكون مجابهته أسهل. ومع ذلك كلما استمرت الازمة في سوريا ازداد الشعور بالاغتراب بين ايران وحليفاتها وبين الشارع العربي لأن ايران تُرى شريكة لنظم القمع وأنها في الجانب غير الصحيح للتاريخ. وهذا الوضع بعيد جدا عن الوضع السابق الذي تمتعت فيه ايران بتأييد واسع في الشارع العربي وكانت تُرى أنها تقود الموجة الصاعدة في الشرق الاوسط.
وثالثا يؤثر الربيع العربي ايضا على وضع وسلوك لاعبات عربيات اخرى. فقد هبت السعودية ودول الخليج المحافظة الاخرى من جهة للعمل. وحكامها يُصرفون سياسة أكثر حزما مما كانت في الماضي واشتدت حدة التوجه المعادي لايران في سياستها لخشيتها من ان تتآمر ايران في ساحاتها الداخلية. وأصبحت مصر من جهة اخرى التي يسود الاضطراب ساحتها الداخلية، أصبحت لاعبة أهم في الساحة الاقليمية، ومن المتناقض منطقيا ان ضعفها الداخلي لا يُترجم الى ضعف خارجي. وسبب ذلك هو ان الصراع في الشرق الاوسط بين عوامل القوة المختلفة هو صراع بين أفكار ايضا. وقد نبع ضعف مصر الخارجي في العقود الاخيرة في الجملة في هذه السنين من الركود الحكومي، من الفراغ الفكري ايضا، ولم يكن لها أي رسالة تروجها بين الجمهور في الدول العربية، والآن بعد اسقاط النظام أصبحت مصر هي بشرى الديمقراطية مع مشاركة احزاب اسلامية. والعالم العربي يرى مصر نموذجا ما لم يخب هذا الحلم. فليس مفاجئا ان أصبح لمصر فجأة وزن أكبر في الساحة الفلسطينية وهي وسيطة أشد تأثيرا في المصالحة بين فتح وحماس، وقد تتوسط ايضا في صفقة أسرى بين اسرائيل وحماس. وليس مفاجئا اذا ان تزيد أهمية الجامعة العربية التي كانت دائما مركز قوة مصر. وللربيع العربي تأثير كبير ايضا في اللاعبات الفلسطينيات. ان حركة حماس شعرت بعدم ارتياح شديد حينما وجدت نفسها في الجانب غير الصحيح مع سوريا وايران. وتشتغل الحركة الآن بوضعها من جديد وتبحث عن راعيتين جديدتين هما مصر والسعودية. ويأمل قادة الحركة ان تساعدهم سيطرة احزاب اسلامية على الحكومات الجديدة في دول كمصر، ودفعها هذا الوضع ايضا الى مصالحة فتح. ونقول تلخيصا ان في الواقع الجديد أسسا لتقوية تأثير الغرب وقدرته على المداورة واضعاف ايران وحليفاتها. لكن في أعقاب فوز الاحزاب الاسلامية في الانتخابات وعدم اليقين في شأن صبغة النظم التي ستشارك فيها في المستقبل قد يتغير ميزان الربح والخسارة في المنطقة.