حسن آل عامر

هل يمكن أن يتوقع أحدنا أن يقرأ يوما ما خبرا في صحيفة عريقة مثل quot;الواشنطن بوستquot; الأميركية أو quot;الجارديانquot; البريطانية ينقل عن رجل دين غربي ما يشبه quot;الفتوىquot; تحرض على هدم تمثال quot;الحريةquot; بحجة أنه حرام؟
أعتقد أن من البدهي أن الجميع سيقول (لا)، لاعتبارات دينية تختلف بين المسيحية والإسلام، حيث إن التماثيل والصور جزء مهم من الثقافة المسيحية كما نشاهد. لكن المفاجأة التي لا يتوقعها أحد أن هناك خبيرا إعلاميا غربيا يرى أن مثل هذه الفتوى قد تصدر، بل ويؤكد أن هناك quot;فتاوىquot; لرجال دين غربيين قد تكون أشد غرابة.. فما السر في أنها لا تظهر للعلن ويعرفها الجميع خصوصا في ظل ثورة المعلومات الكبيرة التي تجتاح العالم؟ الإجابة بكل بساطة أن مثل هذه الآراء الفردية ـ حسب تعبيره ـ لا تلتفت لها وسائل الإعلام الرصينة، لأنها تعتبرها مجرد رأي شخصي لا يؤثر على السياق الاجتماعي العام.
رأي هذا الخبير (الذي لا يحضرني اسمه حاليا) جاء ضمن نقاش في قناة الـquot;بي بي سيquot; البريطانية حول الضجة التي حدثت في وسائل الإعلام المصرية والعربية بعد الفتوى التي أطلقها أحد علماء الدين المصريين الذين ظهروا إعلاميا بشكل مفاجئ بعد الثورة، والتي تنص على وجوب هدم تماثيل مصر، مثل quot;أبوالهولquot;، وتماثيل الشخصيات المهمة في التاريخ المصري، لأن وجودها حرام، حيث اتفق جميع المشاركين في النقاش على أن الإبراز الإعلامي لمثل هذه الفتوى ومهاجمة صاحبها، ما كان سيحصل في وسائل الإعلام الرصينة في الغرب أو الشرق، فلن تنشر بشكل فج إلا في صحف quot;التابلويدquot; المهتمة بالإثارة البعيدة ـ أحيانا ـ عن المهنية، لأن الضجيج الإعلامي على مثل هذه الآراء هو ما يزيدها انتشارا وربما يجمع حولها الكثير من المؤيدين.
فلو أخذنا مثل هذه الحادثة وما شابهها وتتبعنا أثرها في الكثير من وسائل الإعلام العربية التي تضع نفسها في موقع الرصانة والمهنية العالية.. ماذا ستكون النتيجة؟
الحقيقة الماثلة للعيان أننا نجد أن هذه quot;الرصينةquot; من أوائل من يحتفي بنشر وترويج مثل هذه الآراء الغريبة والفردية التي قد تتحول من رأي شخصي إلى قضية رأي عام، وربما انشغل الجميع بها عن القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية العليا والتي تهم الوطن وتحدد مستقبله. لذلك أعتقد أن معظم وسائل الإعلام العربية المقروءة والمسموعة والمرئية ما زالت تعيش في زمن quot;الزفةquot; والطبل المزعج فقط، ولم تصل بعد إلى مرحلة صناعة رأي عام ينطلق دائما من القضايا الكبرى والمصيرية، ولا يقف كثيرا عند قول quot;فلان أو علانquot;.. والتساؤل: هل أريد لها أن تبقى كذلك.. أم أنها لم تصل إلى مرحلة النضج؟