أحمد الجارالله
مصر اليوم تبدأ ثورة جديدة, ثورة على الذين يريدون الباسها ثوباً غير ثوبها, واخضاعها بالحيلة والابتزاز... مصر اليوم لا تحتج على قرارات رئاسية عادية انما ترفض تغيير جوهر الدولة, ولذلك الذين يحتشدون في الساحات والميادين والشوارع رفضاً للاعلان الدستوري الأخير لا يريدون ان يخسروا تاريخهم وتجربتهم الفريدة في الممارسة السياسية, باختصار انهم يمنعون تدمير الدولة الديمقراطية.
ولهذا يخطىء حاكم مصر, أيا كان, اذا تعاطى مع شعبه بسياسة القطيع الذي يقاد وفقا لرغباته ونزواته, او وفقا لما تمليه عليه جماعة سياسية, وهو ما فعله الرئيس المصري محمد مرسي الذي ارتكب خطيئة كبرى عندما ظن للحظة ان نتائج الانتخابات النيابية والرئاسية تخوله تنصيب نفسه فرعونا جديدا, ويستطيع اسكات ملايين المصريين بجرة قلم, وبالمناسبة هي الخطيئة ذاتها التي ارتكبتها, عندنا, من اعتبرت نفسها غالبية في مجلس الامة المبطل, وراحت تقترح القوانين التي تجعل الشعب الكويتي يلبس عباءة واحدة مفصلة في مقرات الجماعات الاسلامية, ويتحدث لغة مستمدة من قاموس الولاء الاعمى لمرشد ما, أكان موجودا في مصر أو غيرها, ولهذا اسقطها الشعب الكويتي وقبل ان تقول المحكمة الدستورية كلمتها الفصل في هذا الشأن, لأنه شعب حي يرفض ان تملي عليه أي جماعة ارادتها, وها هو عزلها ونبذها حين رأى الى اي حد هي متورطة في الانصياع الى أوامر مرشدquot;الاخوانquot; ومن لف لفهم.
كان على الرئيس مرسي ان يدرس التاريخ السياسي لبلاده جيدا, ويتفكر في مصائر الحكام الذين سبقوه منذ الفراعنة و حتى الامس القريب, ويدرك ان شعبا اعتاد على قول كلمته في المنعطفات التاريخية غير عابىء بقمع وارهاب لن يقبل ان تملى عليه ارادة اقلية سياسية متعطشة للسلطة ترى نفسها صاحبة الحقيقة المطلقة.
منذ انتهاء حكم الفراعنة لم يتعاط أي حاكم مع مصر بالاملاء وفرض رأيه على شعبها, بل دائما كان التعاطي بالسياسة والاقناع والدليل والبرهان, فهل يعتقد مرسي الذي استشهد في احدى خطبه بعمرو بن العاص يستطيع انه يتبع وسيلة غير الحوار والسياسة اللتين استخدمهما ابن العاص نفسه في فتح ارض الكنانة, وهل يعتقد ان شعبا مثل الشعب المصري يمتلك هذه التجربة السياسية الطويلة سيرغم على لبس ما تفصله ماكينة الاخوان المسلمين وغيرها من التيارات المتطرفة التي تستغل الديمقراطية لتكريس ذاتها طليعة اجتماعية وحاكمة مطلقة للدولة?
ما يجب ان يدركه الذين يريدون أخذ مصر الى مجاهل الحكم الفردي المطلق ان رد الفعل الشعبي الكبير على الاعلان الدستوري الاخير, وكل هذه الملايين التي نزلت الى الميادين والشوارع احتجاجا اسقطت شرعية الحكم القائم حاليا, وكما هتفت في 28 يناير عام 2011 مطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك ها هي اليوم تهتف بوجه مرسيquot; ارحل... ارحل... مش عاوزينكquot;, فهل سمع الرئيس المصري هذه الهتافات التي تعني اسقاط الشرعية عنه ام ان شهوة الديكتاتورية تصم الآذان وتعمي البصائر?
نعم, مصر قالت كلمتها رافضة حكم الاخوان المسلمين, وها هي الملايين في شوارع القاهرة ومدن مصرية اخرى تقول: لا... لا... لا لجعل اكبر دولة عربية مجرد مزرعة يتحكم فيها من خلف الستار الرئاسي ديكتاتور يطلق عليه مرشد الجماعة.
التعليقات