راشد فايد

أسوأ أوجه الديمقراطية حق مجافاتها، وهو أقرب إلى الإنفعال منه إلى التفاعل. يذكّر بذلك انتخابات الكويت التشريعية الأخيرة، التي دعت المعارضة إلى مقاطعتها، فتراجعت المشاركة من نحو 60 في المئة في إنتخابات 2006 وما بعد، إلى نحو 40، فحددت وزنها الشعبي، بالفارق وهو 20 في المئة في أفضل تقدير، وهي النسبة التي كانت تروّج أنّ عدد المقترعين لن يتعداها.
لكن المقاطعة والنتائج كشفتا قصوراً في رؤية المعارضة، إذ بينت خطواتها، إثر الإقتراع، إنها لاتملك خيارات عدة بدليل دعوتها إلى إبطال الإنتخابات والعودة إلى المربع الأول، والتلويح بإستئناف مسلسل تظاهرات لايشي موقع quot;يوتيوبquot; بعظم المشاركة فيها. فالمشهد السياسي بعد الإقتراع كان ممكنا استشفافه قبل أن يصبح واقعا: لا تملك المعارضة التحرك إلا في إطار الديموقراطية، أي لا يمكنها أن تتخطى العصيان المدني في حد أقصى، ولا أن تتراجع إلى أقل من مسيرات مملة في حد أدنى. فهل ستلقى شعبية كافية؟
والمشاركة خرقت مع كلمة المقاطعة كل نقاش إنتخابي، وأبعدتاه عن جذور الإنقسام السياسي، الذي وضع إسلاميين وقبليين وبعض الليبراليين، في مواجهة الإدارة السياسية التي واكبتها قوى متنوعة عززت حضورها في المجلس الجديد كالنساء (3) والشيعة (17) من أصل 50 نائبا.

لم تقتصر غلبة المشاركة على المقترعين، بل شملت عدد المرشحين الذي بلغ 307، فيما لم يتخط في انتخابات مجالس الأمة الـ14 السابقة الـ287. لكن عدد هذه المجالس يكشف المبرر الأبعد للانتخابات الأخيرة، كون 4 منها، والجديد خامسها، انتخبت خلال 6 سنوات، بمعدل واحد كل سنة وشهرين، ما أفرز عدم استقرار تشريعي عطل خطط التنمية الوطنية الاقتصادية والاجتماعية، ما لا تغفره الغالبية من الكويتيين وتعول على عودته بمبادرات من الأمير فور نيل الحكومة الجديدة الثقة، من دون خوف على دستورية قراره حل المجلس السابق وإجراء الانتخابات، كون الدستور يسمح له بـ quot;مراسيم الضرورةquot;، من جهة، ولكون المجلس الجديد يملك الحق في نقضها، من جهة أخرى.
هل يخفي المشهد السياسي الكويتي الراهن أبعد مما يظهر؟
قد يكون الأقرب إلى الاستنتاج أن المخاض السياسي هو من تجليات صراع إجتماعي صامت تسعى عبره طبقة، أو طبقات ناشئة إلى احتلال موقع في بنية سياسية متوارثة تتوازن بين القبائل والحضر والتجار والسنة والشيعة، وفي كل منها طبقاته، لكنها تتفق، موالاة ومعارضة، على قيادة آل الصباح، بدليل مبايعتها الشيخ صباح الأحمد عندما نُقلت السلطات الأميرية إليه قبل 6 سنوات.
الاستنتاج الأوضح من هذه المجريات، وصولا إلى انتخاب مجلس الأمة الـ15، الأسبوع الفائت، أن الكويت لما تزل تبلور ديموقراطية واقعية حيث كل شيء متوافر ومؤمّن، لكن، مطلوب المزيد؟