د. رشيد بن حويل البيضاني
لا يمكن لإنسان أن يشعر بانتمائه العربي والإسلامى ويعتز به، أن يتغاضى عما يحدث على أرض الشقيقة مصر، ذلك البلد الذي تربطنا به علاقات تاريخية عميقة وثابتة وراسخة، واهتمامنا بمصر وما يدور على أرضها من أحداث لا يرجع فقط إلى مجرد علاقات تاريخية قديمة، أو سياسية واقتصادية معاصرة، فاستقرارها يعني استقرار المنطقة بأسرها.
ما يحدث في مصر يجعل اهتمامنا بمصر أكثر ونستغرب ما يحدث فالإخوة، رفقاء الأمس القريب، الذين خرجوا معا، وقدموا مئات الضحايا وآلاف المصابين من أجل تحقيق مستقبل أفضل لهم، نراهم يقتتلون اليوم، ويسقط منهم الضحايا، ناهيك عن المصابين الذين فقدوا بصرهم، أو بترت بعض أعضائهم، ولو علموا ــ ولا شك من بينهم الكثير يعلمون ــ أن دم المسلم أشد حرمة عند الله من حرمة بيته الحرام، وربما لفكروا كثيرا قبل الاقتتال، الذي مهما قيل عن أسبابه فإنه يرتبط بشكل رئيسي، بل كأنه الدافع الأول وراءه هو مصالح دنيوية بعامة، وسياسية على وجه الخصوص.
الاختلاف أمر وارد، بل هو من سنن الكون، لكن هناك ــ بالتأكيد ــ من يؤجج المشاعر، ويلهب الأحاسيس ويدغدغ العواطف، برفع شعارات يعلم الله وحده مدى صدق أصحابها، وما أظن أن النوايا الحسنة والخالصة لوجه الله تعالى يمكن أن تؤدي إلى هذه الحالة من الفوضى وعدم الاستقرار الذي تشهده مصر.
أين حكماء مصر الشقيقة من رجال الفكر والدين ؟ لماذا يصم الجميع آذانهم عن الاستماع لصوت العقل؟ لماذا تتلاعب الأهواء وأصحاب النوايا والأغراض الخبيثة ببلد كان دوما مصدر إشعاع حضاري وفكري للعالم كله؟.
أهذه هي نتائج الثورات التي يهلل لها أصحاب الرؤى القاصرة، ويعدون الناس بتحقيق الخير والرفاهية من ورائها؟، وأي خير في مقتل النفوس البريئة، وإصابة من لاذنب لهم من المارة في الشوارع ؟، وأي رفاهية ونحن نقرأ ونطالع من أخبار عن تراجع الاحتياطي النقدي المصري إلى أقل من نصف ما كان عليه قبل عامين؟، وأي استقرار والمستثمرون العرب والأجانب يتراجعون عن إقامة مشاريعهم في مصر لما يسودها من عدم استقرار وفوضى؟.
أعتدنا أن يقول كل مواطن في دولة عربية : وما شأننا بذلك ؟، هذه أمور داخلية لا يحق لنا الحديث عنها، مع أننا نعرف أن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.
ولما كان من الصعب على الدول الصديقة والشقيقة أن تتدخل فيما يحدث في أرجاء كثير من الدول العربية والإسلامية، فلا أقل من التضحية، بالكلمة، منطوقة أو مكتوبة، وذلك أضعف الإيمان.
فيا إخوتي في مصر، أحقنوا دماءكم، وأقيلوا عثرتكم، وانهضوا من كبوتكم، وكونوا إخوة متسامحين، وليس لكل منكم ذاته، وليفكر في ذات الوطن، فالأفراد إلى زوال، والأوطان باقية إلى أن يشاء الله.
ويا رجال الأزهر، ويا علماء مصر، ويا مفكريها، فليكن ولاؤكم للوطن أشد من ولائكم للأفراد والأحزاب، واعلموا أن بناء البلاد لا يتم إلا على أيدى المخلصين من أبنائها، كما أن هدمها وتمزيقها وتقسيمها، يتم أيضا على أيدى المنفلتين منهم .. اتقوا الله في وطنكم، ولك الله يا مصر.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات