ميسون الدخيل

أيتها المرأة العربية، لا أعرف هل أبكيك أم أبكي على نفسي، إن لم تكوني أنا فمن أكون غير أنت، كيف نسمح لمن يجهلنا بل يجهل ماهية تركيبة المرأة العربية، أن يزين لبناتنا ونسائنا الجهل والجاهلية؟

يقال: quot;إن من يخاف من العفريت يظهر لهquot;... وأنا سأحور المقولة: من يرتفع ضغطه من أمر يتكرر ظهوره! وقفت أشتري كأي زبونة تظهر أنها مستعدة للشراء ولكن بعد أن تجرب، اعتبروني سائحة مستغلة، وفرقوا بين الاستغلال والاستبداد، فأخذت الأكواب تتواتر إلى الطاولة أمامي؛ الشاهي الأخضر المغربي مع النعناع، شاهي الرمان مع خلطته، شاهي الزنجبيل مع الليمون وخلطته، وأنا مستمتعة بكل كوب أكثر من الذي كان قبله، وبعد أن اشتريت وكنت في قمة سعادة التسوق، إذ بالبائع يعرض علي أن أزور المتجر الذي أمامه، حيث سأجد ـ كما كان متوقعا ـ ضالتي، مجموعة من المجهورات كالتي ظهرت في المسلسل المدبلج إلى العربية: حريم السلطان! وكأنه والعياذ بالله قال: quot;حريم الشيطانquot;! هنا ارتفع ضغطي، وانقلبت مئة وثمانين درجة على مقياس المشاعر العدائية، وتحولت فجأة من مسالمة إلى لبوة كانت لتفترسه حيا، لولا أن بعضا من إنسانيتها تحرك، وتذكر أن المسكين لا ذنب له! تأتي إليه بعض النسوة ممن يبحثن عن هذه النوعية من المجوهرات؛ وليتها أصلية بل تقليد أيضا، ربما لأنهن أعجبن بالتصاميم، ومن لا تعجبه التصماميم الجميلة! ومنهن أيضا من تريد أن تقلد quot;حريم السلطانquot;! فتمالكت أعصابي وضبطتها، ولكي أعوض للمسكين الرعب الذي تسببت له به، وافقت أن ألقي نظرة على ما لديه في المتجر التالي، وللحقيقة كانت مجموعة جميلة، المشكلة ليست في التصماميم، المشكلة، بالنسبة لي، كانت في المعنى الذي كان ما وراء تلك التصاميم!.


نعم، أنا أعطي لكل شيء معنى وقد أبالغ، ولكن لدي مبادئ أحاول أن أتمسك بها في هذا الزمن الذي انقلبت فيه كل المفاهيم، وجرت عمليات تجريف للذاكرة، إضافة لما تبعها من تشويه للأخلاقيات، فكيف بالقيم والمبادئ؟! فبالتأكيد أنها لن تسلم! المشكلة quot;تاني وثالث ورابعquot; تكمن في أنني أعد هذا المسلسل بالذات كمثال للتقليل من مكانة المرأة بل تحقيرها!.
لقد سمعت الكثيرات يتمنين أن يكن من ذلك الزمن، بل منهن من تمنت أن تكون ضمن quot;حرملكquot; السلطان! quot;ياللهولquot;! مع الاعتذار ليوسف بك وهبة، أي امرأة عربية حرة تتمنى أن تكون جارية!
ألم يكفهم أنهم (الدولة العثمانية) أدخلوا علينا quot;الحرملكquot;، وتدريب الجواري على فنون العزف والغناء والرقص والغناء وإلقاء الشعر، لكي ترتفع أثمانهن، هذا إضافة إلى جعل حياتهن فقط من أجل سعادة وترفيه حياة أسيادهن وضيوفهم فوق البيعة! وتركت المرأة الحرة دون تعليم، الذي هو من حقها أصلا، كم كافحنا لنعود فقط إلى المكانة التي ضمنها لنا الإسلام والشريعة، لنأتي اليوم ونجد من يروج تفريغ الدماغ والتبعية quot;الأرجوازيةquot; للرجل! نحن لسنا أتباعا، نحن نكمل بعضنا البعض، كل له دور والجميع مساءل أمام الرحمن الرحيم يوم القيامة كل حسب عمله صالحا كان أم طالحا.
المرأة العربية كانت وما زالت وستظل حرة أبية، شاء من شاء وأبى من أبى! أين هن، من العرق الطاهر على جبين المرأة في المصانع، أين هن من التشققات على أيادي الفلاحات، أين هن من طهر أرواب الطبيبات والممرضات اللائي ييخففن من الآلام، ويسهرن على رعاية من لا يعرفن، بل كل ما يربطهن بهم أنهم إخوة في الإنسانية، أين هن ممن تعمل في صمت من منزلها لترفع من دخل أسرتها، أين هن من فضل الداعيات اللائي يساعدن بتوعية الفتيات ليل نهار دون كلل، أين هن من العالمات والمبدعات في جميع مجالات العلوم الطبيعية والإنسانية؟ إين هن من حفيدة يعرب، التي حين احتاجها الرجل وجدها في الميدان، وفي الحقل كما في المدينة، دوما السند ودوما المدد، وفوق هذا كله أنجبت أجيالا وأجيالا وأخرجت لنا ما لا يعد ولا يحصى من العظماء؟ والآن.... أتريدونني أن أقف وأعطي تحية إجلال وإكرام لمن يريد أن يزين لنا القيود ويظهرها كأساور! هزلت وألف هزلت!.
أيتها المرأة العربية، لا أعرف هل أبكيك أم أبكي على نفسي، إن لم تكوني أنا فمن أكون غير أنت، كيف نسمح لمن يجهلنا بل يجهل ماهية تركيبة المرأة العربية، أن يزين لبناتنا ونسائنا الجهل والجاهلية؟! والله ولو كان الأمر في دكانة منزوية في زقاق منسي في قرية مهجورة، لن أدعه يمر دون أن أعلن رفضي وألفت الأنظار إليه، فالأمر بهذه الأهمية لي، ليس لأني امرأة بل لأنني.... عربية!.