محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ

في اليوم الثاني لسقوط برلين وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية كان المارك الألماني بلا قيمة تماماً؛ حتى يقال إن لصاً وجد كومة من الماركات مملوءة في سلة بلاستيكية، فأفرغها من الماركات وسرق السلة!.. وفي تقديري أن مصر سيأخذ بها الإخوان اقتصادياً إلى المآل ذاته إذا لم يتم تدارك الأمر على وجه السرعة؛ ولعل استقالة محافظ البنك المركزي الذي أعلن عنها في التلفزيون الرسمي تكشف أن ثمة اختناقا ماليا يعيشه الاقتصاد المصري، وارتباكا وعدم انسجام بين أقطاب البيروقراطية المصرية التي تضطلع بتسيير الدولة.

صحيفة laquo;الديلي تلغرافraquo; نشرت تقريراً عن وضع مصر الاقتصادي تحت عنوان: (مصر بحاجة إلى 12 مليار دولار قرض إنقاذ لتفادي الإفلاس) جاء فيه كما نشرته البي بي سي: (إن الاقتصاد المصري على وشك ألا يجد النقد الكافي لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطنين بحلول الصيف. ويشير إلى مفاوضات بعيدا عن الضوء بين المسؤولين المصريين ومسؤولين من صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي. ويتفاوض الأوروبيون والصندوق مع ممثلين عن الحكومة المدعومة من العسكر وممثلين عن حزب الحرية والعدالة، الواجهة السياسية للإخوان المسلمين، للاتفاق على تفاصيل قرض الإنقاذ المالي). ويبدو أن هذه المفاوضات تعثرت بعد أزمة الدستور، والتجاذبات التي رافقت إقراره والتصويت عليه. كما أن الإخوان، رغم وضع مصر الاقتصادي الخطير في شغل عنه بمناوئيهم السياسيين، الذين يتربصون بهم -كما يقولون- ويخلقون لهم العقبات تلو العقبات، مستغلين نقص خبرتهم في إدارة الدولة وتخبطهم باتخاذهم القرارات ومن ثم الرجوع عنها.

ورغم أن الولايات المتحدة تدعم مصر الإخوانية بكل ما أوتيت من قوة، حتى قيل إنها هي التي أتت بهم إلى السلطة، إلا أن تعقيدات الأوضاع في الداخل المصري، واتساع حجم المعارضة ضد كثير من القرارات التي اتخذتها القيادة الجديدة، خاصة ما يتعلق بالدستور (المفبرك)، وفرضه دون أن يتم التوافق عليه، جعل الولايات المتحدة تتريث في الذهاب بعيداً في الرهان عليهم؛ فكل المؤشرات تقول إن جماعة الإخوان لا يملكون المؤهلات لقيادة السفينة المصرية إلى بر الأمان؛ وأن التّرِكة التي ورثوها من حكم مبارك، خاصة الاقتصادية منها، تركة ثقيلة، من الصعب لتنظيم سياسي لا يملك تجربة وخبرة سياسية، ويواجه في الوقت ذاته عداوات أيديولوجية متنوعة، أن يستطيع التعامل معها.

ويبدو أن فرض مصر الإخوانية دستوراً غير توافقي على الواقع المصري (بالقوة) أدى إلى نشوء حالة من التجاذبات بين مكونات المجتمع المصري، وخاصة التجاذب الطائفي الحاد بين الأقباط وتيارات الإسلام السياسي وعلى رأسهم جماعة الإخوان، وهذه سابقة غير معروفة في التاريخ المصري الحديث؛ وهو ما تنبه إليه معهد laquo;جات ستونraquo; الأمريكي للأبحاث السياسية في تقرير جاء فيه: (أوضاع الأقباط في مصر في الوقت الحالي مُقلقة، وسبب مخاوفهم أن القوى الإسلامية تحاول جاهدة أن تحوّل مصر إلى دولة دينية تشبه نموذج طالبان في أفغانستان، في حين أن التيارات المدنية تحاول أن تحافظ على وسطية الإسلام في البلاد، وقد وجد الأقباط أنفسهم في هذا الصراع؛ ولأنهم يريدون العيش في دولة مدنية، فقد أصبحوا متهمين ومستهدفين من جانب التيارات الإسلامية المتشددة ).

وعلى أية حال، فإن كل المؤشرات تقول إن الإخوان سيفشلون في البقاء لفترة ثانية في الحكم، هذا - طبعاً - إذا لم يبقوا بقوة السلاح كما فعلت حماس في غزة.. وهناك كثيرون -أيضاً- بدؤوا يتحدثون عن ثورة جياع ثانية ستتفجر إذا ما استمرت الأوضاع الاقتصادية على حالها، يضطر بعدها الجيش للتدخل ويحسم الأمر.

إلى اللقاء