KOMMERSANT: روسيا لن تتخلى عن وضع المراوحة في سورية


كتب: Maksim Yusin

تشعر موسكو بالقلق من أن يكون تمرير القرار المعادي لسورية بمنزلة ضوء أخضر يسمح للقوى الدولية الغربية بالتدخل، تماماً كما حصل في ليبيا حينما عقدت تسوية مع الغرب ووافقت على الامتناع عن التصويت غير أنها شعرت بالاستياء بسبب عمليات القصف.
حتى قبل أن يقترح المغرب رسمياً إصدار قرار في مجلس الأمن لإدانة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، كان واضحاً أن روسيا التي تملك حق النقض ldquo;الفيتوrdquo; ستعيق أي قرار مماثل.
سبق أن عبرت موسكو عن رفضها للعبارات المستعملة في القرار الذي يلوم الأسد على أعمال العنف الأخيرة ويدعو إلى تنحيه من السلطة. كذلك، تشعر موسكو بالقلق من أن يكون تمرير هذا القرار المعادي لسورية بمنزلة ضوء أخضر يسمح للقوى الدولية الغربية بالتدخل، تماماً كما حصل في ليبيا في السنة الماضية. لقد عقدت روسيا تسوية مع الغرب حين وافقت على الامتناع عن التصويت على القرار الليبي ولكنها شعرت بالاستياء بسبب عمليات القصف التي شنتها قوات حلف الأطلسي في المرحلة اللاحقة.
من المتوقع أن يكون الوضع مختلفاً في الشأن السوري، فلا ينوي الكرملين الاستسلام أمام الضغوط الغربية، ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المرتقبة.
كثّف الغرب جهوده استعداداً لاجتماع مجلس الأمن يوم الثلاثاء، فقد اجتمع كلٌّ من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه ووزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ في نيويورك. ومثل أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي وجهة النظر العربية، لكن سرعان ما أوضحت موسكو موقفها عندما امتنعت عن إرسال ممثل رفيع المستوى للمشاركة في المداولات، فقد واصل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولته في آسيا وأوقيانوسيا دون مشكلة بدل التوجه إلى نيويورك.
قبل يوم من طرح الاقتراح رسمياً، قالت كلينتون: ldquo;يجب أن يوضح مجلس الأمن للنظام السوري أن المجتمع الدولي يعتبره تهديداً على السلام والأمنrdquo;. ولم تخفِ واشنطن انزعاجها لأن كلينتون لم تتمكن من الاتصال بلافروف ومناقشة التصويت المقبل معه.
وفق المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، ldquo;لم يتوقف هاتف كلينتون عن الرنينrdquo; تمهيداً لإجراء مناقشات مع زملائها من البلدان المختلفة، لكن تعذر الاتصال بوزير الخارجية الروسي. أضافت نولاند: ldquo;كانت وزيرة الخارجية الأميركية تحاول التواصل مع وزير الخارجية لافروف عبر الهاتف طوال 24 ساعة تقريباًrdquo;. وذكرت نولاند أن كلينتون لم تجد صعوبة في التحدث مع وزير الخارجية الصيني يانغ جيتشي.
بحسب مصادر وزارة الخارجية الروسية، علم لافروف برغبة كلينتون في التحدث معه، لكن توقيت تلك الاتصالات تضارب مع مواعيد اجتماعاته بالمسؤولين الأستراليين، وأوضح لافروف: ldquo;ليس من عادة الدبلوماسيين الروس أن يلغوا اجتماعاتهم المقررة ولكني مستعد للتحدث مع وزيرة الخارجية كلينتون في أقرب فرصةrdquo;.
بغض النظر عن هذه الأحداث كلها، تبقى فرص أن يجد الدبلوماسيان نقاطاً مشتركة حول الأزمة السورية شبه معدومة. فقد علّق لافروف من أستراليا على رفض المعارضة السورية التفاوض مع نظام الأسد بعد أن عرضت روسيا تنظيم تلك المحادثات، وقال: ldquo;إذا كانت المعارضة ترفض الجلوس مع النظام على طاولة المفاوضات نفسها، فما الخيارات البديلة؟ شن عمليات القصف؟ سبق أن جربنا هذا الحل لكني أضمن هذه المرة أن مجلس الأمن لن يمنح موافقته مطلقاً على شن حملة عكسرية مماثلةrdquo;.
ستة أسباب للرفض
يتساءل السياسيون والدبلوماسيون الأجانب عن السبب الذي منع روسيا من إعاقة القرار الليبي في السنة الماضية بينما تبدي استعدادها الآن لمواجهة الغرب حتى النهاية دفاعاً عن بشار الأسد. لذا عرض خبراء روس ستة أسباب حقيقية لتفسير عدم رضوخ روسيا.
1- تُعتبر سورية واحدة من أهم حلفاء روسيا في العالم العربي. إذا تخلت موسكو عن دمشق في هذه الأوقات الحرجة، فسيفهم حلفاؤها حول العالم أنهم لا يستطيعون الاتكال على دعم الكرملين.
2- دمشق هي أيضاً واحدة من أهم الشركاء التجاريين بالنسبة إلى موسكو، وتحديداً في مجال التكنولوجيا العسكرية. بلغت قيمة العقود العسكرية التي أُبرمت في السنوات الماضية حوالي 4 مليارات دولار. في عام 2010 وحده، حصلت سورية على أسلحة روسية بقيمة 700 مليون دولار تقريباً، ووافقت موسكو حديثاً على بيع 36 طائرة عسكرية إلى دمشق مقابل مبلغ 550 مليون دولار، ويبلغ مجموع الاستثمار الروسي في الاقتصاد السوري حوالي 20 مليون دولار. كذلك، تتولى شركة روسية إدارة مشروع ضخم يتمثل بمصنع لتكرير الغاز، ويبدو أن موسكو ليست مقتنعة بأن المعارضة في سورية ستستمر بهذه الشراكة في حال وصولها إلى السلطة.
3- تقع القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة الموجودة خارج دول الاتحاد السوفياتي السابق في ميناء طرطوس السوري. لم تذكر المعارضة السورية شيئاً عما إذا كانت ستسمح لموسكو بالإبقاء على تلك القاعدة إذا نجحت في إسقاط الأسد.
4- تشعر روسيا بالقلق من تشدد مواقف المعارضة السورية، إذ يبدو أن قادتها هم أكثر ميلاً إلى الأنظمة الملكية الخليجية وتركيا والغرب ولكنهم أبعد ما يكونون عن موسكو. ومن بين خصوم الأسد، يتمتع الإسلاميون بنفوذ قوي نسبياً، وتحديداً جماعة ldquo;الإخوان المسلمينrdquo;. إذا وصلوا إلى السلطة في سورية (موطن عدد كبير نسبياً من المسيحيين والشيعة)، فسيرتفع خطر انقسام البلد لأسباب دينية.
5- من الواضح أن القيادة الروسية لا تصدق الوعود الغربية بأن القرار السوري لا يمهد لتنفيذ تدخل عسكري. تظن موسكو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يخدعانها فهي لم تنسَ بعد العملية الليبية، عندما قصف حلف الأطلسي قوات معمر القذافي بعد أيام قليلة على صدور القرار الليبي في الأمم المتحدة في شهر مارس.
6- تؤدي السياسة الداخلية الروسية دوراً مهماً في هذا المجال بقدر أهمية العلاقات الخارجية. قبل شهر من الانتخابات الروسية، لا يريد فلاديمير بوتين الظهور بصورة المسؤول الضعيف أمام ناخبيه أو خصومه، سواء من خلال الرضوخ لمطالب الغرب أو خيانة حليف تقليدي. لا يزال الروس مستائين من امتناع موسكو عن التصويت على القرار الليبي الذي سهّل إسقاط القذافي، ولا يريد الكرملين بأي شكل أن يسير الأسد على خطى القذافيhellip; ليس قبل الانتخابات في 4 مارس على الأقل!