صالح القلاب


المظاهرات، الاستجدائية التملُّقية، التي كانت في انتظار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدى زيارته، غير الميمونة، الأخيرة إلى دمشق تُذكِّر الذين عاشوا تلك المرحلة بعدما جاء رئيس مجلس السوفيات الأعلى نيكولاي بودغورني بعد أيام من كارثة الخامس من يونيو (حزيران) عام 1967 إلى العاصمة السورية في إطار جولة إلى المنطقة بدأها بالقاهرة كان هدفها رفع المعنويات بعد هزيمة نكراء اعتُبرت هزيمة للمعسكر الشرقي والأسلحة السوفياتية.
إذْ كاستعراض للاستجداء والشكوى، جرى حشد مظاهرة لاستقباله في مطار المزة الملاصق لدمشق كالمظاهرة التي جرى حشدها قبل أيام لاستقبال لافروف، وكان المتظاهرون يهتفون: ldquo;بودغورني.. بودغورنيrdquo; وبدا رئيس مجلس السوفيات الأعلى وهو يهبط سلم الطائرة القادمة من القاهرة وكأنه ذاهب إلى جنازة، وكأن القوات الإسرائيلية قد وصلت إلى أطراف موسكو وليس إلى يعفور والديماس على أطراف عاصمة الأمويين التي كانت في تلك الأيام تعيش أسوأ أيامها على مدى حقب التاريخ كله.
لم يقدِّمْ بودغورني خلال تلك الزيارة للقيادة السورية، التي كان حافظ الأسد أحد رموزها الأساسيين على اعتبار أنه كان وزير الدفاع وعضو القيادة القومية لحزب البعث الحاكم، إلا النصيحة بأن عليهم أن يتعلموا من الفيتناميين الصمود، وأن عليهم أن يحولوا البلد إلى قاعدة للمقاومة ويجعلوا اقتصاده متلائماً مع ldquo;الحرب الشعبية الطويلة الأمدrdquo;، ثم بعد إقامة ليلة واحدة عاد هذا المسؤول السوفياتي الكبير لتبقى الجولان محتلة منذ ذلك اليوم حتى هذا اليوم.
والمؤكد أن لافروف في زيارته هذه إلى دمشق ومعه رئيس الاستخبارات الروسية قد قدم نصيحة مماثلة لنصيحة بودغورني الآنفة الذكر بأنه لابد من الصمود، وأنه لا بد من تحطيم هذه ldquo;الثورة المضادةrdquo;! وتدمير حمص كما دمَّر الوالد ldquo;المرحومrdquo; ما غيره ldquo;حماةrdquo;، لكن وزير الخارجية الروسية سيكتشف أن الكف قادر على مواجهة المخرز، وأن انتفاضات الشعوب أقوى من أجهزة المخابرات والمرتزقة، وأنه سيضطر إلى ضرب كفٍّ بالكف الأخرى، لأنه لم يستطع قراءة المشهد السوري قراءة صحيحة، وأن بلاده قد خسرت لحظة تاريخية لأنها راهنت على نظام بات يلفظ أنفاسه الأخيرة ولم تراهن على شعب مكافح بقي يصمد في خنادق الحرية نحو سنة كاملة، وبقي يواجه الرصاص والقذائف والصواريخ بأجساد أطفاله.