خيرالله خيرالله

لا يختلف اثنان على ان سوريا في حاجة الى دستور جديد. لكنها في حاجة اوّلا الى نظام جديد مكان النظام الحالي القائم منذ تسعة واربعين عاما والذي لا شرعية له. تلك هي الاولوية وليس الاستفتاء على دستور جديد يكّرس بقاء النظام الحالي ويسمح له باستعباد السوريين واذلالهم وافقارهم سنوات طويلة اخرى باسم العروبة والدفاع عن القضية الفلسطينية.
مثل هذا النظام الجديد البديل من النظام الحالي يستطيع طرح مشروع دستور جديد على استفتاء شعبي وذلك تتويجا للثورة المباركة التي يشارك فيها السوريون من كل المناطق والمذاهب والطوائف والفئات الشعبية. لا يحقّ لنظام منبثق عن سلسلة من الانقلابات العسكرية الحديث عن دستور جديد او طرح مثل هذا الدستور الذي لا يتضمن في الواقع اي جديد، في ظلّ عمليات قتل مستمرة لابناء الشعب السوري وتدمير منظم للمدن والقرى والبلدات السورية.
لا خيار آخر امام هذا النظام، الذي حدد يوم السادس والعشرين من شباط موعدا للاستفتاء على الدستور الذي لم يجد المواطن الوقت الكافي للاطلاع عليه، سوى الرحيل. آن اوان اعتراف النظام بانّه انتهى وان لا شيء يمكن انقاذه، لا دستور جديدا... ولا تهديدات باحراق المنطقة ولا عنتريات الامين العام لـquot;حزب اللهquot; الذي يرفض الاعتراف بأنه جزء لا يتجزّأ من منظومة عفا عليها الزمن لا منطق سياسيا لها.
مرّة اخرى، يحاول النظام السوري ايجاد مخرج من ازمته. هدد في الماضي بفتح جبهة الجولان مذكّرا العالم انه ضمانة لاسرائيل. لم تنجح تلك المحاولة لسبب في غاية البساطة. يعود هذا السبب الى ان الفلسطينيين الذين ارسلهم الى جبهة الجولان كي يقتلوا بدم بارد رفضوا الاستمرار في اللعبة. تظاهروا ضدّ النظام في مخيّم اليرموك قرب دمشق وطردوا المنظمات الفلسطينية التابعة للاجهزة السورية منه!
كذلك، فشلت محاولة لفتح جبهة جنوب لبنان. جرت التضحية ببعض الفلسطينيين المساكين الى ان تبيّن ان ليس في قدرة اي طرف لبناني اعادة فتح جبهة الجنوب ارضاء للنظام السوري. حتى quot;حزب اللهquot; الايراني لا يستطيع استخدام سلاحه في عملية اعادة فتح جبهة الجنوب. وظيفة هذا السلاح معروفة. تتمثّل في ارهاب اللبنانيين وفرض حكومة من لون معيّن عليهم وليس الاقدام على مغامرة جديدة يمكن ان تعود بالويلات على ابناء الوطن الصغير، خصوصا اهل الجنوب الذين لم يعيدوا بعد بناء كلّ ما تهدّم في حرب صيف العام 2006. تلك الحرب التي انتهت بصدور القرار الرقم 1701 عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة والذي يرفض quot;حزب اللهquot; اعادة قراءته للتأكد من انه ادخل لبنان في متاهات كان في غنى عنها...
اذا كان مطلوبا اجراء استفتاء في سوريا، فانّ الثورة السورية التي ستطفئ بعد ايام شمعتها الاولى، هي بمثابة استفتاء مستمرّ. انه استفتاء يومي يصوّت فيه السوريون بدمائهم الزكية.
واذا كان هناك من يشكك في ان السوريين في استفتاء مستمر، قالوا فيه كلمتهم، هناك الموقف العربي. كلّ الدول العربية تؤيد المبادرة التي تدعو الرئيس بشّار الاسد الى التنحي. لبنان quot;ينأى بنفسهquot; لاسباب عائدة الى انه مغلوب على امره وان من يتحكم بالقرار الحكومي هو quot;حزب اللهquot; وتوابعه وعلى رأسهم النائب المسيحي ميشال عون حليف صدّام حسين في السنة 1990 وبشّار الاسد في السنة 2012!
امّا الجزائر، التي تتحفظ من دون ان تتحفّظ عن القرارات العربية والدولية المتعلقة بالنظام السوري، فهي اسيرة اللغة الخشبية التي يعتمدها نظام غير قادر على استيعاب ان العالم تغيّر وانّ الشعوب العربية ترفض العيش في ظلّ شعارات بالية تقوم على فكرة معاداة الاجنبي، ولكن بالكلام فقط. هل الجزائريون، الذين يطمحون في اكثريتهم الى الهجرة الى فرنسا، يأخذون على محمل الجدّ الشعارات التي يستخدمها النظام لتبرير المواقف المسايرة للنظام السوري؟
في كلّ الاحوال، قال العالم كلمته متحدّيا الفيتو الروسي والصيني. اظهر الاستفتاء الحقيقي في الجمعية العامة للامم المتحدة ان هناك اكثرية دولية تؤيد الطرح العربي الداعي الى تنحي بشّار الاسد. هناك ثلاثة استفتاءات جرت بديلا من الاستفتاء على الدستور السوري الذي يطرحه النظام. الاستفتاء السوري والاستفتاء العربي والاستفتاء الدولي.
كلّ ما هو مطلوب الآن، اقتناع اهل النظام انّ لا مجال لاصلاحات من اي نوع كان. هذا نظام غير قادر لا على السلم ولا على الحرب. تخصص في الماضي في نقل ازماته الى الخارج السوري. منذ اقلّ من سنة تفجّرت الازمة في سوريا نفسها. لم يمتلك النظام من حلول سوى السعي الى الغاء الآخر. يمكن اختصار ازمة النظام السوري بعبارة واحدة: هل في استطاعة نظام الغاء شعبه من اجل ان يبقى في السلطة؟
الجواب عن هذا السؤال، ان ذلك ممكن، ولكن ليس الى ما لا نهاية. من يعتقد ان في الامكان الغاء شعب من الشعوب لم يتعلّم شيئا من تجارب الماضي القريب. هل استطاع الاتحاد السوفياتي بكلّ جبروته الغاء شعب من شعوب دول اوروبا الشرقية او حتى من الجمهوريات التي كان يتشكلّ منها؟
في حال ليس مطلوبا الذهاب الى ابعد من العالم العربي، هل استطاع النظام السوري الغاء لبنان او الشعب اللبناني على الرغم من ممارسته القمع في ارجاء الوطن الصغير ما يزيد على ثلاثة عقود؟ اين صارت مواقع الجيش السوري التي كانت في لبنان حتى العام 2005؟