سوزانا طربوش

بعد سنة على اندلاع الثورة في مصر في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، انطلق المدير التنفيذي في شركة laquo;غوغلraquo; وائل غنيم (31 عاماً) الذي بات في عيون شعوب كثيرة laquo;وجه الثورة المصريةraquo;، في جولة في المملكة المتحدة والولايات المتحدة للترويج لكتابه laquo;الثورة 2.0raquo;، الذي يحمل عنواناً فرعياً هو laquo;قوة الشعب أعظم من الشعب في السلطةraquo;.

صدر الكتاب عن دار laquo;هاوتن ميفلين هاركورتraquo; في الولايات المتحدة وعن دار laquo;فورث إيستايتraquo; التابع لـ laquo;هاربر كولنزraquo; في المملكة المتحدة، وحصل غنيم على إجازة من شركة laquo;غوغلraquo; كي يعمل على إطلاق منظمة غير حكومية تدعم التربية والتكنولوجيا في مصر، على أن يتمّ تمويل هذه المنظمة من حصيلة مبيعات كتابه.

وأثار كتاب غنيم وجولته اهتماماً وحماسة كبيرين، وحظي غنيم بتغطية إعلامية كبيرة، واستقبله الجمهور خلال ظهوره العلني وحفلات توقيع الكتاب بحرارة بالغة في لندن وفي مدن أخرى في أنحاء الولايات المتحدة، فكشف بذلك عن شخصية ملتزمة تتميّز بعمق فكري وشخصية مرحة وذكية إلى أقصى الحدود.

على مرّ السنة الماضية، كان الدور الذي أدّاه غنيم في إشعال الثورة محط إطراء وإقرار دوليين، فحلّ في المرتبة الأولى في قائمة مجلة laquo;تايمraquo; للشخصيات المئة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2011. كما حلّ في المرتبة الثانية في قائمة مجلة laquo;أرابيان بزنسraquo; للشخصيات العربية الـ500 الأكثر تأثيراً في العالم. ومن بين الجوائز التي حاز عليها، جائزة جون إف. كينيدي للشجاعة، وقد سلّمتها إليه ابنة الرئيس الراحل جون إف كينيدي، كارولين كينيدي في أيار (مايو) الماضي.

وخلال جولته، أبدى غنيم تواضعاً حيال دوره في ثورة laquo;مجرّدة من أيّ زعيمraquo;. وأعلن في كتابه laquo;أرفض رفضاً قاطعاً أن يتمّ وصفي بالبطل أو أن يُنسب إلي الفضل في إشعال الثورة. لستُ سوى رجل يملك خبرة في التسويق أطلق صفحة على موقع laquo;فايسبوكraquo; تحوّلت إلى أمر أعظم من مئات الصفحات المثيلة لهاraquo;.

واشتهر اسم غنيم للمرة الأوّلى بعد أن اختطفته قوات أمن الدولة في القاهرة مساء 27 كانون الثاني (يناير) 2011 واختفى لمدة 11 يوماً. وبقي طوال فترة اعتقاله معصوب العينين، كما استجوبته أجهزة الأمن التي اتهمته على ما روى في كتابه بأنه عميل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.

وأصدرت شركة laquo;غوغلraquo; إعلاناً يقول إنّ غنيم رئيس التسويق لديها لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية لا يزال مفقوداً وطلبت الحصول على معلومات حول مصيره. ودوّت الصرخة في أنحاء العالم: أين وائل غنيم؟

خلال فترة اعتقال غنيم، تبيّن أنه المؤسس والمدير المجهول للصفحة المؤثرة على موقع laquo;فايسبوكraquo; laquo;كلنا خالد سعيدraquo;. وكان أطلق هذه الصفحة في حزيران (يونيو) 2010 بعدما رأى صورة مروّعة على شبكة الإنترنت لوجه خالد سعيد الذي ضرب حتى الموت في الإسكندرية على يد رجلين تابعين لقوات الأمن. وبكى غنيم لدى رؤية الصورة، وقال laquo;اعتبرتُ صورة خالد سعيد رمزاً رهيباً للوضع في مصر. ولم أستطع الوقوف مكتوفاً في وجه هذا الظلم الكبير. فقرّرت توظيف كلّ كفاياتي وخبرتي للمطالبة بالعدالة لخالد سعيد ولأعرض قصته على النقاش العامraquo;.

وأعلن غنيم على صفحة laquo;كلنا خالد سعيدraquo; أنه يجب تنظيم حدث في 25 كانون الثاني (يناير) 2011 لإحياء عيد الشرطة الوطني. وفي 14 كانون الثاني، رحل بن علي عن تونس و laquo;بدأت أقتنع بأنه يمكن أن نكون البلد الثاني الذي يتخلّص من ديكتاتورraquo;. وللمرة الأولى استخدم غنيم كلمة laquo;ثورةraquo; على الصفحة، فأعلن أن laquo;25 كانون الثاني هو يوم الثورة ضد التعذيب والفقر والفساد والبطالةraquo;.

وراح يحشد الناس من خلال دعوة المجموعات المنظمة مثل مشجعي كرة القدم إلى العمل مع ناشطين آخرين مثل الأشخاص الذين ينتمون إلى حركة 6 أبريل. كان غنيم يعمل لمصلحة شركة laquo;غوغلraquo; في مدينة دبي حيث يعيش، إلا أنه عاد إلى مصر في 24 كانون الثاني للمشاركة في تظاهرة 25 كانون الثاني.

وبعد أن أُطلق في 7 شباط (فبراير) 2010، أجرى غنيم مقابلة مهمّة ومؤثرة على القناة الفضائية العربية laquo;دريم تي فيraquo;. وشدّد أمام مقدّمة البرنامج منى الشاذلي على أنه لا يرغب في أن تتمّ معاملته كبطل: laquo;كنتُ مجرد عضو في الحشود الثائرة التي أدّت واجبها تجاه بلدهاraquo;.

وحين عُرضت خلال المقابلة التلفزيونية التي أجراها غنيم صور لأشخاص قتلوا في التظاهرات عندما كان في السجن، ذرف الدموع. وأعلن أنه يريد أن يعبّر عن أسفه لكلّ أب وأم خسرا ولداً. وأضاف laquo;إلا أنّ هذا ليس خطأنا، إنه خطأ كلّ واحد تشبث بالسلطة ولم يرحل عنهاraquo;. وقال إنه يريد الرحيل، وخرج من الأستوديو.

وفي إطار نقاش دار مع مهدي حسن وهو محرّر سياسي كبير في مجلة laquo;نيو ستيتسمانraquo; في قاعة laquo;موزاييك رومraquo; في لندن قال غنيم إن أسباباً ثلاثة دفعته إلى وضع هذا الكتاب. السبب الأول هو رغبته في دفع الناس إلى الإدراك laquo;أنه في وسعهم بلوغ أمور أكبر مما تخيلوا من خلال التجمّع وتنظيم صفوفهم والتحدث حول مسائل متعدّدة وإطلاق الرسائل ونشر الوعيraquo;.

والسبب الثاني هو التحدّث عن الثورة المصرية من وجهة نظره وبناءً على خبرته الشخصية. laquo;نحن محظوظون لأنّ هذه الثورة مجردة من أيّ زعيم. لقد شارك عدد كبير من الناس فيهاraquo;. يرى غنيم أن laquo;من المهمّ بالنسبة إلينا جميعاً، وليس بالنسبة إليّ فقط، الكتابة عن الثورة التي خبرناها على مدى 18 يوماً ورواية القصة من وجهة نظرنا الخاصة، حتى يتمّ جمع الأجزاء مع بعضها بعضاً لتكوين صورة كاملةraquo;.

أما السبب الثالث فهو رغبته في أن يقول laquo;للغرب بأننا لسنا إرهابيينraquo;.

وفي ما يتعلّق بعنوان الكتاب laquo;ثورة 2.0raquo;، أشار غنيم إلى أنّه لاحظ أنّ ثورة 25 كانون الثاني هي بمثابة موسوعة laquo;ويكيبيدياraquo; على شبكة الإنترنت بحيث laquo;تتضافر جهود الناس من أجل بلوغ أمر عظيم من دون أن تعرف هوية معظم هؤلاء المساهمين. يقدّم كلّ شخص مساهمته من دون أن يعلن هويته. حين تدخل إلى موقع laquo;ويكيبيدياraquo; لا تعرف من الذي كتب هذا المقال أو ذاك، بل تثق بالمضمون وبالنتيجةraquo;.

ولد غنيم في القاهرة وترعرع في مصر وفي المملكة العربية السعودية. غادر والده إلى المملكة العريبة السعودية هرباً من الأوضاع الاقتصادية المتردية في مصر. لكن، على غرار عدد كبير من المصريين، خسر كلّ مدخراته من خلال شركات الاستثمار الخاصة الإسلامية التي وعدته بإيرادات هائلة وبقي لمدة أطول من المدة التي خطّط لها في المملكة. وروى غنيم في كتابه كيف أدّى مقتل نسيبة له في حادث سيارة حين كان في الكلية إلى إيغاله في التدين: laquo;اختلطتُ في الجامعة مع أشخاص كثر ينتمون إلى مجموعات دينية وعقائدية مختلفة بمن فيهم الإخوان المسلمون. كما شاركتُ في عدد من أنشطتهم في المدرسة. إلا أنني طالما كنت أملك رأيي الخاصraquo;.

عام 1998 أطلق غنيم الموقع الإلكتروني laquo;tariq al-Islam.comraquo; كي يساعد المسلمين في العالم على التواصل. وبات أحد أكثر المواقع الإسلامية شعبية على شبكة الإنترنت. وأضاف: laquo;أوصلني هذا الموقع من طريق الصدفة إلى زوجتي المستقبليةraquo;. على رغم صغر سنّه، أراد أن يتزوّج، إلا أنّ الفتيات المصريات اللواتي تقدّم إليهنّ رفضنه، laquo;بما أنني عنيد ومستقل، كنت عازماً على حلّ مشاكلي على طريقتي الخاصةraquo;. وقرّر الزواج من امرأة غير مصرية اعتنقت الدين الإسلامي. وبما أنه كان يحب انفتاح الثقافة الأميركية، أراد الزواج من امرأة أميركية اعتنقت الإسلام. laquo;كنتُ أعتقد أنّ أي شخص يغيّر دينه بعد فترة من التأمل هو شخص مميزraquo;.

بدأ يتراسل على شبكة الإنترنت ومن خلال موقع tariq al-Islam.com مع امرأة أميركية اعتنقت الإسلام، إلا أنها رفضت اقتراحه بأن تسافر من كاليفورنيا حيث كانت تعيش لزيارته في القاهرة، فتوقف التواصل بينهما. لكن، حين سافر إلى الولايات المتحدة في حزيران 2001 لتقديم موقع tariq al-Islam.com إلى منظمة خيرية في الولايات المتحدّة، عرّفته صديقته إلى امرأة كانت تبحث عن زوج مسلم. وتبيّن أنها إيلكا، المرأة نفسها من كاليفورنيا. فتزوجا في غضون أسابيع. لم يخبر والديه مسبقاً بالأمر وهما لم يكونا راضيين في البداية عن هذا الزواج، واستغرقت والدته بعض الوقت لتتقبل كنّتها الجديدة.

خطّط غنيم البقاء في الولايات المتحدة لحين نيله شهادته لأنه كان معجباً بالتعليم العالي هناك، إلا أنه بدّل رأيه بعد اعتداءات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) حين أصحبت حياته في الولايات المتحدة صعبة له ولزوجته التي ترتدي الحجاب، فانتقلا إلى مصر في كانون الأول (ديسمبر) 2001 وهما اليوم والدان لابن وابنة.

وأشار غنيم إلى أنه ليس واحداً من بين الناشطين السياسيين المصريين النموذجيين، إلا أنّ كتابه يروي غضبه المتزايد من طريقة عمل النظام السياسي المصري. بعد الانتخابات البرلمانية المزوّرة عام 2005 laquo;كنا كلنا نعلم أنها خدعة. وكان السؤال: هل يمكننا الاستمرار في ظل هذا الوضع؟raquo;

وكتب: laquo;كنّا نبحث عن بديل. أردنا مخلصاًraquo;. وظنّ غنيم لوهلة أنّ المخلص هو محمد البرادعي. حين عاد البرادعي إلى مصر في شباط 2010، قدّم له العون في صفحته على موقع laquo;فايسبوكraquo; وساعده في نشر عريضته laquo;سبعة مطالب للتغييرraquo;. إلا أنه أقرّ بأن laquo;البرادعي محق، فنحن لسنا بحاجة إلى مخلص، بل يجب أن نخلّص أنفسنا بأنفسناraquo;.

خلال جولة غنيم للترويج لكتابه، فوجئ الأشخاص الذين أجروا مقابلة معه والجمهور الذي التقاه بتفاؤله على رغم الاضطرابات المستمرة وإراقة الدماء في مصر. قال: laquo;أظن أنّ التفاؤل ليس خياراً. أظنّ أنّ الصبر أساسي والتفاؤل أساسي أيضاً لأنه لا يمكنك تغيير الأمور إن ظننت أن ليس في وسعك فعل أي شيءraquo;.

وأضاف: laquo;أنا شخصياً متفائل، وأظنّ أننا نجحنا خلال الأشهر الـ 12 الماضية. لو قال لي شخص قبل سنتين إنّ هذا ما سيحصل لكنت قلت مجنونraquo;. لا تزال الثورة عملية متواصلة وهي تفرض تحديات عدة. أما المسألة الطارئة فهي ضرورة laquo;انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكنraquo;.

عبّر بعض الأشخاص الذين تحدّثوا إلى غنيم خلال جولته عن خوفهم من الأداء الجيّد الذي أبداه laquo;الإخوان المسلمونraquo; والسلفيون في الانتخابات البرلمانية الأخيرة. إلا أنّ غنيم رفض هذا الخوف. فقد أدلى 27 مليون مصري بأصواتهم في الانتخابات، فيما اعتبر 10 ملايين منهم أنّ laquo;الإخوان المسلمينraquo; هم الأشخاص الجديرون بالحكم.

وحين سأله مهدي حسن عما إذا كان وصول الإسلاميين إلى الحكم سيجعلهم أكثر اعتدالاً، أجاب غنيم: laquo;لا أستطيع القول إنهم سيكونون معتدلين لأنني لا أريد أن أعطي انطباعاً بأنهم متشددون. في مصر يعيش شخص من أصل شخصين بدولارين في Wael Ghonim.jpg اليوم. لن يجلس هؤلاء الأشخاص ويستمعوا إلى النقاشات الفكرية حول ما يجب أن يحصل ومن الذي يفعل ذلك أو لا يفعلraquo;.

وأضاف: laquo;جاء أحد أفضل الأقوال على لسان الناطق باسم السلفيين حين سئل: laquo;هل ستمنعون الكحول في مصر في حال حصولكم على الأكثرية؟raquo;، فأجاب بكلام أعجبني: laquo;يشرب حوالى 50 في المئة من المصريين مياه ملوثة وأنت تسألني عن الكحولraquo;؟

وتابع غنيم: laquo;أذكر أنّ بياناً صدر عن laquo;الإخوان المسلمينraquo; مفاده أننا موجودون هنا من أجل مساعدة الأشخاص اقتصادياً وليس لتعليمهم الدين، وأظن أنّ هذه ستكون الروحية. فيحق لهم أن يحكموا البلد، لا سيّما أنّ الديموقراطية أوصلتهم إلى السلطة. لقد انتخبوا على أساس سمعتهم، وفي حال أعيد انتخابهم بعد 5 سنوات فسيتمّ ذلك بناء على أدائهمraquo;.

* صحافية بريطانية