أحمد الفراج

ربما لا يوجد حدث تكاثرت حوله التحليلات والتأويلات مثل الثورة السورية، وهذا متوقع لا بسبب القمع الوحشي غير المسبوق فحسب، بل بسبب تناقض المواقف الدولية حيال هذه الثورة مقارنة بمثيلاتها فيما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، وقد أصبح أمراً مألوفاً أن تسمع أو تقرأ الرأي ونقيضه عن ذات الحالة ومن ذات الشخص، وأقرب مثال على ذلك هو التدخل العربي، فمرة يوصف بأنه شجاعة لم تعهد من العرب وجامعتهم الموقرة، ويستدلون على هذا بإصرارهم على تدويل القضية ورفعها إلى مجلس الأمن، وتارة هو تواطؤ منهم لمنح النظام فرصة للقضاء على الثورة!، ويستدل هؤلاء أيضاً بتقارير السيد الدابي، الذي يتهم ذاته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. ومثل هذا يقال عن الموقف الروسي، فمرة يقال إن هناك ترتيباً بين الروس والولايات المتحدة بخصوص سوريا، وما يجري هو عبارة عن تبادل أدوار لا أكثر، ومرة يقول ذات المحلل السياسي إننا بصدد حرب باردة جديدة لا محالة!

وفي خضم كل هذا، بات مؤكداً أن الرئيس الأسد يمسك بكل خيوط اللعبة، بعد أن نجح في إبعاد وتحييد كل رجالات والده، وهذا شيء يثير الاستغراب، فقد كان الجميع -حتى وقت قريب- يعتقد أنه مجرد دمية تحركه القوى الخفية التي تحكم سوريا، والأكثر غرابة هو كيف استطاع هذا الطبيب الوديع أن يحمل كل هذا العنف بين جوانحه؟

يقول المقربون إن الأسد يحاول أن يثبت لكل أولئك الذين اتهموه -أيام حكم والده- بأنه غير مؤهل لحكم سوريا بأنه على العكس مما يتصورون، إذا هي حالة نفسية تتلبسه ويحاول من خلال عقله الباطن والظاهر أن يثبت عكسها، وهذا تفسير منطقي، إذ إن هناك سوابق لمثل ذلك، فقد سبق أن اتهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، عندما ترشح لرئاسة أمريكا عام 1986 بأنه ضعيف، وغير قادر على قيادة أمريكا عسكرياً، حيث إن الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولذا حرص -بعد فوزه في 1988- أن يثبت بكل الوسائل بأنه عكس ذلك، ولا داعي لتذكيركم بما حصل أيام ضرب العراق من مبالغة في القصف والتدمير، وما أعقب ذلك لاحقاً من حصار دام مدة طويلة ومات بسببه مئات الآلاف من الأبرياء من الأطفال.

حسنا، إلى أين يسير هذا الشجاع على حين غرة؟ لا أحد يعلم، ولكن المؤكد أنه يستغل كل الوسائل المتاحة ليفتك بشعبه الأعزل بذات السلاح الذي كان يقول إنه اشتراه من قوتهم ليحارب به أعداءهم، وهم الأعداء الذين اتضح أنهم أحرص الناس على بقاء حكمه والدفاع عنه، ولا يماري في ذلك إلا من لا يقرأ ما يكتبه الإعلام الإسرائيلي وحلفاؤه في أوروبا وأمريكا.

وختاماً، مؤلم أن يصبح الشعب السوري ضحية لصراعات إقليمية ودولية، ومؤلم أن يتفرج العالم على المجازر التي ترتكب ولا يفعل شيئاً حيالها، ولكن المطمئن هو أن النظام سيسقط، ولكن بثمن غال جداً.

فاصلة: quot;لا يمكن أن يصبح الإنسان حكيماً بالصدفة أو بالوراثةquot;.