كتب: Vladimir Radyuhin

فشلت المعارضة السورية في توحيد صفوفها والتحدث بصوت واحد، واعترفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنها لا ترى في سورية laquo;عناصر معارضة قابلة للصمودraquo;.
لو أردنا تعلم الطريقة التي تنجح فيها الحملات الدعائية في تحويل الهزيمة إلى انتصار، فلا بد من مراقبة تغطية وسائل الإعلام الغربية للمعارك الدبلوماسية الأخيرة في سورية.
يوافق الجميع على أن ldquo;البيان الرئاسيrdquo; الذي أقرّه مجلس الأمن في 21 مارس حول سورية كان نقطة تحول في الجهود الرامية إلى حل الأزمة السورية. فقد كانت المرة الأولى التي يتوصل فيها مجلس الأمن إلى اتفاق حول سورية ويدعم خطة سلام اقترحها مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية كوفي عنان، غير أن الإجماع المفاجئ في المجلس، بعد أن كان الانقسام سيد الموقف، طرح أسئلة بشأن الفريق الذي قدم التنازلات: القوى الغربية أم روسيا والصين (سبق أن عارضتا قرارين مدعومين من الغرب في مجلس الأمن)؟
وفق وكالات الأنباء الغربية، حصل التنازل من جانب روسيا والصين.
اعتبرت صحيفة ldquo;كريستيان ساينس مونيتورrdquo; (Christian Science Monitor ) أن دعم روسيا لبيان مجلس الأمن هو ldquo;تحول لافتrdquo; في الموقف الروسي، وأعلنت ldquo;إذاعة أوروبا الحرةrdquo; أن موسكو ldquo;رضخت أخيراًrdquo;، بينما كتبت صحيفة ldquo;إيكونوميستrdquo; (Economist): ldquo;تغير الموقف الروسي بشكل جذري وتحول إلى انتقاد الأسدrdquo;.
لكن يشير نص بيان مجلس الأمن إلى أن الغرب هو الذي تبنى الموقف الروسي.
أولاً، لم يذكر البيان المطلب الغربي السابق بتنحي الأسد، (لم تطالب مسودة القرار في مجلس الأمن خلال شهر فبراير برحيل الأسد صراحةً بل أبدت دعمها لخطة جامعة الدول العربية التي تطالب بشكل مباشر بتنحيه كشرط مسبق للتسوية السياسية في سورية).
ثانياً، دعمت القوى الغربية للمرة الأولى وجهة النظر الروسية التي تعتبر أن المعارضة في سورية يجب أن تتحاور مع النظام. ذكر بيان مجلس الأمن أن الأزمة السورية يجب حلها عبر إقامة ldquo;حوار سياسي شامل بين النظام السوري وفئات المعارضة السورية المختلفةrdquo;.
التماشي مع الاقتراحات الروسية
ثالثاً، لم يوجه بيان مجلس الأمن دعوة بوقف القتال إلى قوى النظام فحسب (كما أصر الغرب سابقاً) بل إلى المعارضة أيضاً كما طالبت روسيا منذ البداية.
أخيراً، لم يتضمن بيان مجلس الأمن أي تهديد بالعقوبات أو التدخل العسكري الخارجي في سورية كما ألمحت مسودات القرارات الغربية السابقة.
بالتالي، من المبرر طبعاً أن ترحب موسكو ببيان مجلس الأمن.
اعتبر الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أن الوثيقة ldquo;تتماشى مع الاقتراحات التي كانت روسيا تدافع عنها منذ البدايةrdquo;.
ثم شرح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأسباب التي مهدت لحصول ذلك الإجماع: ldquo;أنا مسرور جداً لأن زملاءنا في مجلس الأمن تخلوا أخيراً عن توجيه الإنذارات والتهديدات ومحاولة حل الأزمة السورية عبر فرض المطالب على النظام حصراًrdquo;.
لقد تخلت جامعة الدول العربية بدورها عن توجيه ldquo;الإنذاراتrdquo;. فقد قال نبيل العربي إن الجامعة لن تدعو الأسد ldquo;على الأرجحrdquo; إلى التنحي خلال قمتها الأخيرة في العراق.
ساهمت الوقائع السورية الميدانية في تبرير الافتراضات الروسية وأثبتت أن الغرب كان على خطأ.
ثلاث وقائع
أولاً، تبين أن النظام السوري هو أقوى مما توقع الجميع، وذلك بفضل المساعدات العسكرية الروسية والإيرانية. كذلك، تعتبر فئات واسعة من الشعب السوري أن الأسد هو أفضل من يضمن عدم انتشار العنف الطائفي الذي قد يتأجج في حال سقوط النظام الحاكم.
ثانياً، فشلت المعارضة السورية في توحيد صفوفها والتحدث بصوت واحد. اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بأنها لا ترى في سورية ldquo;عناصر معارضة قابلة للصمودrdquo;.
ثالثاً، أنشأت الجماعات الإسلامية المستوحاة من ldquo;القاعدةrdquo; معقلاً لها في سورية، ما عزز احتمال تكرار أحداث العراق.
لقد فشلت استراتيجية تسليح المعارضة لإسقاط النظام السوري بمساعدة من الخارج وأُجبر الغرب على الإصغاء إلى التبريرات الروسية والاعتراف بالدور المحوري الذي تلعبه روسيا لمعالجة الأزمة السورية. وهكذا أصبحت المبادرة بيد موسكو.
في هذا الصدد، قال فيتالي نومكين، رئيس المعهد الروسي للدراسات الشرقية: ldquo;أنا مقتنع بأن الدبلوماسية الروسية حققت نصراً كبيراً. حتى الولايات المتحدة بدأت تقترب من الموقف الروسيrdquo;.
أعلنت روسيا منذ البداية أنها لا تدافع عن القادة السوريين ولكنها تحافظ على مبدأ القانون الدولي ومصالح الاستقرار الإقليمي. في شهر أغسطس الماضي، حث ميدفيديف الأسد على ldquo;تطبيق إصلاحات عاجلة والتوافق مع المعارضة وإرساء السلام وإنشاء دولة معاصرةrdquo;، لو أراد البقاء في السلطة.
وقد حذر الرئيس الروسي من أن مصيراً حزيناً ينتظر الأسد إذا لم يستطع تطبيق ذلك.
في الأسبوع الماضي، أعلن لافروف أن القيادة السورية ldquo;ردت بشكل خاطئ على أول الاحتجاجات السلميةrdquo;، كما أنها ldquo;ترتكب حتى الآن أخطاء كثيرةrdquo; تزيد من حدة الأزمة.
أوضح لافروف أن موسكو لا تعارض رحيل الأسد في نهاية المطاف لكن السوريين يجب أن يكونوا أصحاب هذا القرار: ldquo;في حال إطلاق حوار شامل يضمّ جميع أعضاء المعارضة والنظام، أنا مقتنع باحتمال حل جميع المسائل ضمن هذا الإطار، بما في ذلك تحديد هوية قادة سورية خلال المرحلة الانتقالية كما حدث في اليمنrdquo;.
من وجهة نظر روسيا، هذا السيناريو المتعلق بعملية تسليم السلطة في سورية لا يشبه خطة ldquo;تغيير النظامrdquo; بالقوة كما أراد الغرب.
يعني الإجماع في مجلس الأمن على دعم خطة عنان التي تركز على تسهيل الحوار الداخلي بين الفئات السورية المختلفة أن المقاربة الروسية هي التي فازت في نهاية المطاف.