علي العنزي
منذ انهيار ما كان يُسمى بالاتحاد السوفياتي عام 1991، ذاقت روسيا مرارة التعامل معها كقوة عظمى فقدت مقومات قوتها التي كان الجميع يخشاها وينصت لها بإمعان، وتحولت إلى قوة إقليمية عادية من الناحية العسكرية، وقوة اقتصادية على وشك الإفلاس من الناحية الاقتصادية، ما جعلها تفقد نفوذها وتأثيرها في المسرح الدولي السياسي، ولذلك لم يكن لها أي تأثير في منع تدخل حلف الناتو في أزمة يوغسلافيا، على رغم الروابط العرقية والسياسية بينها وبين تلك الدولة، ما أدى إلى تقسيمها لست دول، في ما سُمي بـlaquo;حرب البلقانraquo;، وكذلك عانت من الأزمات الداخلية، سواء اقتصادية أو سياسية، كحرب laquo;الشيشانraquo; التي استمرت لفترة ليست بالبسيطة، علماً بأن روسيا ورثت من الاتحاد السوفياتي السفارات والأسلحة النووية والاتفاقات الدولية التي وقعت مع الدول الأخرى، وكذلك الديون التي على الدول الأخرى، كل هذا لم يمنع من مواجهتها لتلك الأزمات الاقتصادية والسياسية منذ بداية التسعينات، وحتى عام 2000، إذ بدأت سياسة النهوض منذ تسلم فلاديمير بوتين سدة الرئاسة.
إن فقدان روسيا لدور الدولة العظمى جعلها تفقد الكثير من الاهتمام والمميزات التي كانت تجذب الكثير من الدول للتعاون وعقد الاتفاقات معها وكسب ودها، وكذلك التحالف معها، سواء من دول العالم الثالث أو العالم المتقدم، وهو ما أفقدها الدعم السياسي الذي كان الاتحاد السوفياتي يتمتع به من هذه الدول، لذلك بدأت البحث عن تحالفات واتفاقات تجعلها تعود للمسرح الجيوسياسي العالمي كدولة لها وزنها ونفوذها، أي البحث عن دور يعطيها ميزة لاعب أساسي في العلاقات الدولية، وهو ما جعلها تعقد الكثير من الاتفاقات مع دول الفضاء السوفياتي السابق، أو دول مؤثرة سياسياً واقتصادياً في المسرح الدولي، التي سوف نستعرض الاتفاقات والتحالفات التي قامت بها خلال هذا المقال، للحفاظ على دورها ومواجهة المد الغربي تجاه حدودها.
لقد بدأت روسيا اقتراحاً بتشكيل رابطة الدول المستقلة في 8 كانون الأول (ديسمبر) عام 1991، وطرح على جمهوريتي بيلاروسيا (روسيا البيضاء)، وأوكرانيا، إذ وقعت الدول الثلاث اتفاق إنشاء منظمة تكون بديلاً عن الاتحاد السوفياتي، ومن ثم انضمت إليها بقية الدول في آسيا الوسطى والقوقاز وهي: مولدافيا، جورجيا، أرمينيا، أذربيجان، تركمانستان، أوزبكستان، كازاخستان، طاجكستان وقرغيزيا، وتقوم هذه الدول، بحسب الاتفاق، بالتعاون في ما بينها في مجالات التجارة والتمويل والقوانين، والأمن، وكذلك تعزيز التعاون في مجال الديموقراطية ومكافحة التهريب والإرهاب، وتشارك دول هذه المنظمة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
قامت روسيا عام 1996، وخلال لقاء بمحافظة شنغهاي الصينية، باقتراح إنشاء مجموعة شنغهاي التي ضمّت كلاً من: الصين، روسيا، طاجيكستان، كازاخستان، وقيرغيزستان، ثم انضمّت إليها أوزبكستان، إذ تم توسيعها في العام 2001 من خلال دخول أوزبكستان إليها، وتهدف هذه المنظّمة إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، ومناقشة عدد من المواضيع المهمة بشكل دوري، ثم انضمت إليها عدد من الدول بصفة مراقب مثل الهند وإيران وأفغانستان.
قامت الصين وروسيا عام 2001 بتوقيع اتفاق تعاون ثنائي لتوثيق علاقات الدولتين خلال الـ20 عاماً المقبلة، أطلق عليه اسم laquo;معاهدة التعاون وحسن الجوار المشتركةraquo; ليحلّ هذا الاتفاق الجديد مكان ذلك الاتفاق الذي تمّ توقيعه أيام ماوتسي تونغ وستالين، الذي شكّل حلفاً بين الدولتين منذ عام 1950 وحتى نهاية الستينات، وقد جاء هذا الاتفاق الجديد لمواجهة القطبية الأحادية التي تفردت بها الولايات المتحدة الأميركية، ونص أهم بنوده على المعارضة المشتركة لبرنامج الدفاع الصاروخي الأميركي، ورفض المفهوم الغربي laquo;التدخّل الإنسانيraquo;، الذي تبنّاه حلف الناتو العام 1999 في كوسوفو، ومعارضة الخطط الأميركية بالتوسّع العسكري.
شكلت مجموعة دول البريكس laquo;BRICSraquo;، laquo;هو مختصر للحروف الأولى باللغة اللاتينية المكونة لأسماء الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي بالعالمraquo;، واحدة من الحلقات التي أسهمت بها روسيا للتحالف الاقتصادي وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وعقد أول لقاء على المستوى الأعلى لزعماء هذه الدول في تموز (يوليو) عام 2008، وانضمت دولة جنوب أفريقيا إلى المجموعة عام 2010، وتُشكل مساحة هذه الدول ربع مساحة اليابسة، وعدد سكانها يقارب 40 في المئة من سكان الأرض، ومن المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصاديات هذه الدول الاقتصاديات الغربية مجتمعة، إذ تشكل هذه الدول مجتمعة ناتجاً محلياً إجمالياً تقدر قيمته بـ 15.435 تريليون دولار، ولذلك تُشكل هذه المجموعة واحدة من أضخم الأسواق العالمية، وأسرع الاقتصاديات نمواً في العالم، بحسب تصنيف مجموعة laquo;غولدمان ساكسraquo; البنكية العالمية، التي كانت أول من استخدم هذا المصطلح في عام 2001، ووضع هذه الأطروحة الاقتصادي العالمي laquo;JimO'Neillraquo; الذي ينتمي لهذه المجموعة البنكية.
لقد ظهرت فكرة الاتحاد الآوراسيوي العام الماضي، التي بدأت كل من روسيا وروسيا البيضاء وكازاخستان تنفيذها، ابتداءً من الأول من كانون الثاني (يناير) عام 2012، وهو مشروع الاتحاد الجمركي الذي يضم هذه الدول، واقترح فكرة تأسيسه الرئيس الكازاخي نور سلطان نزار باييف، إذ تم إلغاء كل نقاط الجمارك على الحدود بينها وسُمح بنقل البضائع المختلفة من دون أي عقبات، ويتوقع له المسؤولون في هذه البلاد أن يكون أساساً لعودة فضاء اقتصادي ضخم بين دول الاتحاد السوفياتي السابق.
يعتقد الكثير من الخبراء والمحللين أن تعامل الغرب مع روسيا بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، كان خاطئاً، خصوصاً في مرحلة laquo;يلتسينraquo;، إذ تعاملوا معها بمنطق المهزوم، وهو ما يذكرنا بتعامل الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية مع ألمانيا واليابان، وعودتهما كقوى اقتصادية عالمية مؤثرة، ما جعل النخب السياسية تلتف حول رجل يستطيع انتشال روسيا من وضعها الصعب، وهو ما أبرز laquo;بوتينraquo; الذي بدأ بالبحث عن التحالفات والاتفاقات التي تحصن الفضاء الروسي من الاختراق الغربي، عززه توليه لمنصبي الرئاسة ورئاسة الوزراء السنوات السابقة، لذا، فإن عودة بوتين لمنصب الرئاسة للأعوام الستة المقبلة تؤكد ما يعتقده الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين من أن روسيا تتجه وبقوة على يد بوتين للعودة لدور الدولة العظمى في المسرح الدولي، وعن احتمال كبير بعودة نظرية توازن القوى في المجال الدولي.
التعليقات