علي الخبتي
الغرب لا يرى في الربيع العربي حلاً لمشكلات الحريات والديموقراطية وتحرر الاقتصاد.. ويرجع ذلك إلى التاريخ والعادات المتشكلة فيه، كما يرى أن هذين العاملين أكبر أعداء العالم العربي
أثبت الغرب أنه منافق معلوم النفاق في سياساته، حيث يقلب سياساته وصداقاته وعلاقاته لتكون مع الأقوى.. صحيح أننا نعرف أنه يتبع مصالحه ويتخذ من السياسات والخطوات والأفعال ما يحقق تلك المصالح لكن توقع الكثيرون أن تكون له مواقف، لا نقول منحازة، بل ربما معتدلة مع أصدقاء كان لهم فضل كبير في مواقف كثيرة لعقود، مما فاجأ الكثيرين من المراقبين والسواد الأعظم من الناس على حد سواء.
لكن كيف ينظر الغرب إلى الربيع العربي، أو قل إلى الممارسات الناتجة عنه؟
نعرف معرفة اليقين أن هناك توجهات في سياسات الغرب لم يحد عنها بالرغم من أن بعضها قد تسبب في تكوين اتجاهات سلبية نحوه.. من تلك التوجهات أمن إسرائيل وما ترتب عليه من سياسات منحازة، حتى لو كان ذلك على حساب سمعته وأحيانا مصالحه، وما ترتب وسيترتب على ذلك من أحداث وسلبيات.. الاتجاه الثاني النفط وأهمية استمرار تدفقه.. والثالث استمرار بيع منتجاته والرابع حرية تنقله واستقراره في أي بقعة يريدها من العالم.. والخامس حماية الأقليات غير المسلمة في دول الربيع العربي وغيرها، وسادساً تكريس حرية الأديان والقيم التي يرى أنها يجب أن تسود.. وقد كلفت هذه التوجهات الغرب أمولاً طائلة كانت أحد الأسباب الرئيسية في دخوله أزمات مالية مازال يعاني منها وترتب عليها معاناة بقية دول العالم.. بل إن سياساته لتكريس تلك التوجهات بالقوة ودخوله حروباً خاسرة وصرفه أموالا طائلة لم تؤد إلى مزيد من الاستقرار في العالم، ولم تعمل على تكريس السلام أو ردم هوة التقنية Digital Divide في العالم التي يتشدق بأهمية ردمها وسعيه لذلك، ولم تؤد إلى قلة السلاح حتى ما كان مختصاً بالدمار الشامل. ولعل فكرة الربيع العربي قد تكونت أصلاً في رحم تلك التوجهات وكانت من نتائجها.. كمان أن الإصرار على تلك التوجهات قد حافظ على هذا الجنين حتى ولد سليما على شكل ربيع مورق زاهي الزهر والورود.. و الآن وبعد أن مضى على الربيع العربي أكثر من عام فإن الغرب، كما عبرت عنه مجلة التايم في عددها الصادر يوم الاثنين 16 أبريل في مقال كتبه فريد زكريا، لم يعد متحمساً له كما كان، لأنه كان يعتقد أن ينتج عنه شرق أوسط يتمتع بالحرية، لكن الحقيقة أصبحت واهية.. وبالتحديد في مصر التي يقول إنه يهاجم فيها المسيحيون ومقدمو المساعدات الإنسانية الغربيون والنساء.. كما يقول إنه يتضح من الترشيحات أنها تضم بعض الراديكاليين، بالإضافة إلى معظم ما نراه من شغب متزامن مع نهاية عقود من الاستبداد ووجود القوى الظالمة.. وهذا أدى إلى طرح الغرب للسؤال التالي وفق مجلة التايم: لماذا يبدو تعرض ميلاد الديموقراطية في العالم العربي لصعوبات كثيرة ؟ وضع بروفيسور الاقتصاد في جامعة هارفرد إرك تشيني في بحث قدمه أخيراً حول هذا السؤال المطروح وفك تلك العقدة، ومجيباً على ما أسماه quot;عجز الديموقراطيةquot; Democratic Deficit في العالم العربي عدة فرضيات مقابل المعلومات المطروحة.. من تلك الفرضيات أن دولاً إسلاميه مثل تركيا وإندونيسيا وألبانيا وبنجلاديش وماليزيا لديها أنظمة ديموقراطية لا تسمح بتوجيه اللوم إلى مجرد وجود الإسلام فيها أو إلى الثقافة الإسلامية.. وبالنظرة إلى دول النفط الثرية يقول إنه وجد أن التي لديها احتياطات ضخمة من النفط مثل السعودية تفتقد الديموقراطية، وإن بعض الدول العربية مثل سورية لا تعرفها أصلا.. وسأل فيما إذا كانت الثقافة العربية هي المتهمة، لكن لم يقدم دليلاً على ذلك.. وأشار البروفيسور تشيني إلى أن عدداً كبيراً من الدول المجاورة للعرب تشارك العرب فيما أسماه quot;عجز الديموقراطيةquot;، مثل تشاد وإيران وأذربيجان وطاجاكستان وأوزبكستان، بالرغم من أنهم ليسوا عرباً. وتقول المجلة إن تشيني وصل إلى فرضية مقنعة مبنية على التاريخ القديم والاقتصاد الحديث، ذلك أنه لاحظ أن عجز الديموقراطية اليوم يظهر في أراض تم غزوها من قبل جيوش عربية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في عام 632م، ومعنى هذا أن البروفيسور يربط عجز الديموقراطية بالفتوحات الإسلامية التي كان هدفها الدعوة إلى الدين الإسلامي الحنيف والصحيح الذي ألغى كل الأديان التي قبله. وهذه سقطة كبيرة من ضمن السقطات إلى يرتكبها المثقفون والباحثون الغربيون الذين يكتبون بجهل عن الإسلام والمسلمين.. وهذا مبحث آخر قد نعود إليه لإثبات أن الدين الإسلامي هو دين الحريات. والإثباتات والاستشهادات كثيرة من القرآن والسنة.. لكن هذا ليس موضوعنا اليوم..
ويضيف البروفيسور تشيني أن الديكتاتورية في الشرق الأوسط تتحالف مع قادة متدينين لإقصاء بقية القادة والمجموعات، وتتحكم في الاقتصاد.. وحتى عندما تحرر الاقتصاد من التحكم تعمل ذلك لملء يديها من الأصدقاء الحميمين والداعمين.. ويضيف أن التحدي القادم للعالم العربي يكمن في بقائه داعماً لوجود مجتمع مدني نابض بالحياة والنشاط يضم أحزابا سياسية وقطاعا خاصا قويا ومتماسكا وداعما لنفسه. ويعرف quot;المجتمع المدنيquot; بأنه نشأ أثناء عهد التنوير الأسكتلندي، ليصف أنشطة الأعمال الخاصة كقوة مستقلة تقع بين العائلة والحكومة.. والشرق الأوسط اليوم لديه عائلات قوية وحكومات قوية، لكن كل شيء في المنتصف غير متطور.
وخلاصة القول أن الغرب لا يرى في الربيع العربي حلاً لمشكلات الحريات والديموقراطية وتحرر الاقتصاد.. ويرجع ذلك إلى التاريخ والعادات المتشكلة فيه. كما يرى أن هذين العاملين أكبر أعداء العالم العربي.. ويظن أنه متى ما تم توجيه اللوم إلى البناء السياسي وما خلفه من إرث فإن هذا التغيير سيحدث تقدما.. وهذه وصفة طويلة الأمد لكنها على الأقل الوصفة الصحيحة.. وقد نتفق معه في بعض ما ذهب إليه ونختلف معه في البعض الآخر، لكنه بهذا لا يرى أن الحكام في حد ذاتهم المشكلة، وإنما في إرث المجتمعات العربية التي يرى الغرب أنها ستبقي العالم العربي كما هو.. لكنه في الحالتين كلتيهما مضطر للتعامل معه.. كما أنه مضطر لتغيير شكله ولونه في سبيل تحقيق مصالحه، بصرف النظر عن الحاكم المتربع على هرم السلطة، أو عن النظام السياسي المسيطر.
التعليقات