ما إن تهدأ الحرب حتى تتجه الأنظار إلى خطط إعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية التي دمرتها، بيد أن الخراب الأكبر والحقيقي لا يكمن في الطرقات والمباني، بل في الأرواح التي عانت واستُنزفت، الأرواح التي عاشت تفاصيل الخوف والفقد زمنًا طويلًا، وتنتظر اليوم إعادة إعمار من نوع آخر.
الإنسان السوري، الذي خرج للتو من دوامة الموت والرعب، يحمل في أعماقه ندوبًا أشد عمقًا من تلك التي تركتها القذائف والبراميل المتفجرة.. ملايين الأرواح التي شهدت اغتيال أحلامها أمام أعينها، ورأت وطنها يُختزل إلى سجون وسجانين، هي اليوم بحاجة إلى مشروع نهضوي كبير يعيد لها الأمل والقدرة على الحلم من جديد.
لا بد أولًا من الاعتراف بأن الحرب لا تنتهي بمجرد إسكات البنادق، وأن للسلام ثمنًا باهظًا، وأن طمر تلك الحقبة يحتاج من السوريين إلى مصالحة حقيقية مع أنفسهم ومع بعضهم البعض، وإلى مشاريع تعيد لهم شعورهم بالانتماء والطموح؛ حيث لا يمكن تجاوز آثار الماضي دون تعزيز الإيمان بإمكانية بناء غدٍ أفضل.. وهذا يتطلب دورًا أكبر للمجتمع المدني والمؤسسات الدولية لدعم مبادرات التنمية الإنسانية، التي تُعيد صياغة هوية الفرد السوري كفاعلٍ في إعادة البناء، وليس مجرد متلقٍّ للمساعدات؛ فبناء الإنسان يبدأ بإحياء الأمل، لأن الأمل هو اللبنة الأولى للنهوض من جديد.
وبالتأكيد، فإن إعادة إعمار الإنسان لا تكتمل إلا من خلال برامج ومشاريع تركز على بناء الانتماء الوطني، ونشر ثقافة التسامح والتعايش لتعزيز الوحدة بين مختلف مكونات المجتمع السوري، بالإضافة إلى الاستثمار في الفن والثقافة اللذين يشكلان أدوات فعالة في معالجة الجروح النفسية وإعادة الأمل، والتعبير عن معاناتهم وآمالهم وهزيمة الإحباط.
الإنسان السوري لا يحتاج إلى بناء سقف يظلّه فقط، بل إلى وطن يعيد له الأمن والعدالة، وإلى بيئة تشجع الإبداع وتعيد له ما فقده من حب للحياة؛ لأن إعادة إعمار النفوس ليست مجرد خطوة تُكمل إعادة إعمار الوطن، بل هي الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه سوريا الجديدة.
التعليقات