علي عبيد الهاملي
أنا من المعجبين بالمثل الذي يقول: «كل القطط لونها رمادي في الظلام». والظلام في الحالة التي نتحدث عنها هنا مجازي، يعبّر عن حالة عدم وضوح الرؤية التي يقع فيها الجميع عند الأحداث الكبرى، حيث يختلط الحابل بالنابل، وتتعذر الرؤية، إلى الدرجة التي لا يمكن معها التمييز بين الألوان وفرزها على النحو الذي يجري في الأوقات العادية المستقرة.
ولأن الوضع هذه الأيام ملتبس والرؤية غير واضحة، فإن جميع القطط يبدو لونها رمادياً، ونغدو بحاجة إلى وقتٍ كي نرى القطط التي تظهر أمامنا بألوانها الحقيقية.
وحتى يحدث هذا فإننا بحاجة إلى فرز القطط عن بعضها حتى لا نقع في الفوضى غير الخلاقة، وذلك بعد أن جربنا فوضى «كونداليزا رايس» الخلاقة، واكتوينا بنارها الحراقة. ثمة قطط كثيرة كانت لها ألوان معروفة أصبح لونها رمادياً فجأة.
هذه القطط في حالة كمون تنتظر ما سينجلي عنه الموقف لتغير ألوانها القديمة إلى اللون الجديد الذي سوف يصطبغ به القادة الجدد، وذلك بعد أن أعلنت أنها رهن الإشارة تنتظر ما ستقرره القطط الجديدة بحقها دون اعتراض وبلا مخالب، رغم أنها كانت على مدى السنوات التي مضت تشهر مخالبها الطويلة الحادة، وتتباهى بقدرتها على ما هو أكثر من الخرمشة.
هذه القطط شاهدناها في أماكن كثيرة قبل ذلك، وهي قابلة لأن تكون أليفة في لحظة ما ثم تعود متوحشة مرة أخرى. ثمة قطط علقت أنشطتها حتى إشعار آخر. هذه القطط قررت أن تبقى في دائرة اللون الرمادي حتى ظرفٍ مواتٍ قد يأتي وقد لا يأتي، وفقاً لحظوظها، الأمر الذي سيبقي هذه القطط في دائرة اللون الرمادي لزمن قد يطول وبلا نهاية معروفة.
هذه القطط اعتادت أن تأكل على موائد الأقوياء، أو تأكل ما يفيض عنهم مما يسميه البعض فضلاتٍ في بعض الأدبيات عالية الصراحة دقيقة الوضوح. ثمة قطط أخرى مزعجة، لا تفتأ تموء طوال الوقت. هذه القطط من النوع الذي يحب أن يلفت إليه الأنظار دائماً.
وهذا المواء هو الطريقة المثلى التي تستخدمها هذه القطط للفت الأنظار إليها وجذب الاهتمام نحوها. هذه القطط غالباً ما تكون ألوانها فاقعة صارخة في الأحوال العادية، لكنها في حالة الفوضى غير الخلاقة هذه تتحول إلى اللون الرمادي، متجنبة الظهور بألوانها الأصلية كي لا تلفت الأنظار، أو تستفز أصحاب القرار.
ثمة قطط تعيش حالة إنكار شديد للواقع. هذه القطط لا تستطيع أن تستوعب ما جرى وما يجري، وتتصور أنها ما زالت تعيش زمن القوة الذي كانت تمارس فيه البطش بكل من يقف في طريقها، وتفرض إرادتها على الجميع من قمة الهرم إلى قاعدته. هذه القطط تحاول بأقصى طاقتها أن تثبت أنها منتصرة رغم الهزيمة النكراء التي حلت بها.
ثمة قطط تقف فوق ركام المناطق المنكوبة، وتتجول بينها، تموء بحرقة، وتشكو سوء الأحوال التي وصلت إليها. هذه القطط ليس ثمة من يهتم بها، فهي ضحية لا حول لها ينتشلها مما هي فيه، ولا قوة لها تنقذها من المصير الذي آلت إليه.
ومع هذا، ورغم إعجابي بالمثل الذي يقول إن «كل القطط لونها رمادي في الظلام»، فإن بعض القطط لونها ليس رمادياً، إذ ثمة قطط تحتفظ بألوانها الأصلية لأنها لا تخشى أحداً، ولا تحسب حساباً لأحد، ولا يهمها رأي أحد.
هذه القطط تشهر مخالبها للجميع وتظهرها دون مواربة، ترغي وتزبد، وتمطر وترعد، وتهدد وتتوعد، لأنها تعتبر نفسها سيدة الغابة التي تعيش كل القطط ذات الألوان الثابتة وتلك القابلة للتحول فيها.
هذه القطط، التي ربما هي ليست قططاً، ليست بحاجة إلى تغيير ألوانها التي لا تشبه الألوان الأخرى. لهذا فهي تقتل وتحتل وتتوسع وتحرق وتهدد، ولا يستطيع أحد أن يعترض على ما تفعله، أو يقول لها قفي عند حدك.
أعود فأقول إنه رغم إعجابي بالمثل الذي يقول إن «كل القطط لونها رمادي في الظلام»، إلا أن هناك قططاً لونها ليس رمادياً، ولن يكون رمادياً في يوم من الأيام، لأنها ليست من سلالة القطط التي عرفناها، وهي ليست من سلالة القطط التي قد نعرفها.
التعليقات