كتب: Andrew Exum
إذا كان القتال في نهر البارد في عام 2007 نموذجاً بشعاً لطريقة تمدد الصراع من سورية إلى الجوار، فإن الرد الأميركي (توفير إمدادات عاجلة من الأسلحة للجيش اللبناني) يشكل نموذجاً عن أهمية أن تتحالف واشنطن مع دول الجوار السوري بهدف احتواء تداعيات العنف اليوم.
خلال الأسبوع الماضي، شهدنا أول نموذج عن اتساع نطاق عمليات العنف الطائفية وامتدادها من سورية إلى لبنان المجاور لها. خلال اشتباكات داخل مدينة طرابلس اللبنانية وفي محيطها، قُتل خمسة أشخاص على الأقل خلال المعارك ثم بدأ فتيل القتال يخمد غداة انتشار الجيش اللبناني.
قد لا يبدو الوقت مناسباً الآن للاستخفاف باحتمال أن يعيد الصراع الطائفي السوري تجديد الصراعات الأهلية الكامنة في لبنان والعراق أيضاً. لا شك أن أعمال العنف الحاصلة في سورية قد تمتد إلى الدول المجاورة فعلاً، لكن لن يحصل ذلك بالطريقة التي يفترضها الكثيرون.
من المعروف أن لبنان والعراق لطالما كانا غارقين بالصراعات الطائفية والحروب الأهلية. واجه لبنان معارك متكررة خلال تاريخه القصير، لكن تبقى الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990 أبرز حقبة حية في ذاكرة اللبنانيين. في العراق، بلغت أعمال العنف التي انطلقت بعد الغزو الأميركي للبلد في عام 2003 ذروتها بين عامي 2005 و2007، عندما خاضت الفصائل السنّية والشيعية حرباً أهلية ضارية انتهت بـrdquo;تطهيرrdquo; أحياء بغداد من طائفة كاملة، وقد حقق الشيعة العرب في العراق انتصاراً حاسماً في نهاية المطاف.
نظراً إلى التاريخ الشائك في كلا البلدين، من الطبيعي أن نشعر بالقلق من احتمال أن يمتد العنف في سورية ويعيد إشعال رماد تلك الصراعات في الجوار. قد يبدو هذا الاحتمال منطقياً، لكن يبقى الأمر مستبعداً في البلدين.
في العراق، يصعب أن تنشأ حركة تمرد يمكن أن تطرح خطراً استراتيجياً على الحكومة بعد أن فاز العرب الشيعة بالحرب الأهلية تزامناً مع نجاح الجهود الأميركية في بناء قوى الأمن العراقية ودعمها. صحيح أن العنف السياسي المتدني المستوى لايزال يطبع المشهد العراقي حتى الآن، لكن تراجعت حدة العنف الطائفي والإثني في عام 2007 تمهيداً لإرساء ميزان قوى جديد يصعب أن تتحداه أي حركة تمرد ناشئة. قد لا يتوقف تفجير السيارات المفخخة في أسواق بغداد، لكن أكثر ما يثير قلق صانعي السياسة الأميركية هو معرفة مدى قوة الدولة العراقية بدل تحديد نقاط ضعفها.
في لبنان، نشأ ميزان قوى مماثل غداة الصراع القصير في عام 2008، حين أقدم ldquo;حزب اللهrdquo; والميليشيات المرتبطة بحلفائه السياسيين على مهاجمة السنّة في شوارع بيروت ومناطق أخرى. انتهت الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1990 بعد 15 عاماً من القتال، وقد دامت فترة طويلة لأن القوة العسكرية كانت متعددة الأقطاب (تمكنت ميليشيات عدة في مرحلة معينة من الدفاع عن أرض الوطن وتحدي الخصوم). لكن في صيف 2008، لاحظ اللبنانيون بكل وضوح عدم وجود أي طرف مسلح آخر في لبنان يمكن أن يطرح خطراً فعلياً في وجه هيمنة ldquo;حزب اللهrdquo;، ولا حتى القوات المسلحة اللبنانية.
من المستبعد أن يحصل أي شيء في سورية من شأنه تغيير ميزان القوى القائم في العراق أو لبنان. لكن لا يعني ذلك أن الصراع لن يتسلل إلى هذين البلدين.
يصعب أن نحدد السبب الحقيقي وراء الصراع القائم في شمال لبنان اليوم. في المقابل، يسهل أن نفترض أن القتال في سورية يؤثر على تلك الأحداث، لكن لم يتضح بعد السبب الفعلي الذي أشعل فتيل الاشتباكات. أشارت بعض التقارير إلى وجود خلاف قديم بين عائلتين، بينما ذكرت تقارير أخرى أن الأمر يتعلق باعتقال زعيم سني متشدد. بغض النظر عن السبب الحقيقي ورغم طبيعة الاشتباكات الخطيرة، يشير مشهد الشبان اللبنانيين وهم يستعملون أنبوب مياه في ساحة المعركة إلى أن القتال لم يكن بالغ الخطورة.
كي تتجدد الحرب الأهلية في لبنان، يجب أن يعتبر القادة الحزبيون أن توسع نطاق الاشتباكات سيحمل لهم مكاسب تفوق تكاليف الصراع الشامل، لكن لا شيء يشير إلى أن أحد كبار زعماء الطوائف في لبنان مقتنع بذلك. بل لا مصلحة لأي زعيم طائفي لبناني في خوض هذا النوع من القتال الذي يمكن أن يتوسع ويتحول إلى معركة خطيرة. أكثر ما يثير قلق اللبنانيين هو تكرار ما حدث في عام 2007، عندما عمد مقاتلون سُنّة ينشطون في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان إلى محاربة قوى الأمن اللبنانية طوال أسابيع. استفز المتمردون القوات المسلحة اللبنانية ودفعوها إلى تدمير المخيم وتهجير عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين، علماً أن قائد هؤلاء المتمردين أُطلق سراحه أو هرب حديثاً من الحجز في سورية. (كانت المشاعر المعادية للفلسطينيين فضلاً عن الإمكانات المحدودة للجيش اللبناني الذي اعتمد بشدة على المدفعية الثقيلة تفسر سبب تدمير مخيم اللاجئين بالكامل).
في العراق، قد يتسلل المقاتلون السنّة أيضاً عبر الحدود من سورية كي ينشروا الفوضى. لكن مجدداً، لا تتعلق المسألة الأساسية باحتمال تغيير ميزان القوى أو إطلاق صراع واسع في العراق نتيجة الأعمال المتطرفة، بل بواقع أن تلك الأعمال قد تدفع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى تبني سياسات أكثر تشدداً للتعامل مع أعدائه السياسيين.
لكن أهم مشكلة يجب التركيز عليها الآن هي وجود مخزون من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية في سورية. لا شك أن صانعي السياسة الأميركية والمسؤولين في الدول المجاورة سيشعرون بالقلق من انتشار تلك الأسلحة. إذا كان القتال في نهر البارد في عام 2007 نموذجاً بشعاً عن طريقة تمدّد الصراع من سورية إلى الجوار، فإن الرد الأميركي على القتال (توفير إمدادات عاجلة من الأسلحة ومعدات عسكرية أخرى إلى الجيش اللبناني) يشكّل نموذجاً عن أهمية أن تتحالف واشنطن مع الدول المجاورة لسورية بهدف احتواء تداعيات العنف اليوم.
وحدها الولايات المتحدة ترتبط بعلاقات إيجابية مع أجهزة الأمن في الدول المجاورة لسورية. يمكن أن تصبح تلك العلاقات التي تطورت على مر العقود مفيدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي تعمل مع الدول المجاورة لسورية لمنع امتداد الصراع (مع أن الكثيرين يعتبرون هذا الأمر حتمياً). لكن لن تصب هذه المقاربة في مصلحة أحد.
*مسؤول بارز في مركز الأمن الأميركي الجديد، ويدرّس منهج الصراعات المحدودة في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.
التعليقات