مهدي خلجي
نجحت المحادثات النووية الأخيرة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إضافة إلى ألمانيا من جانب، وإيران على الجانب الآخر، في تحويل تركيز العالم إلى الشروط المحتملة للاتفاق عندما يلتقي الجانبان مرة أخرى، ربما في بغداد في الثالث والعشرين من مايو/أيار . ولكن ما الأسباب وراء الرغبة الجديدة التي أبداها زعماء إيران في التوصل إلى اتفاق؟
لا شك أن العقوبات الاقتصادية والعزلة السياسية ألحقت ضرراً بالغاً بالنظام، وخاصة الحرس الثوري، الذي استهدف المجتمع الدولي قادته وصناعاته بشكل مباشر . ولكن هذه لم تكن العوامل الوحيدة المحفزة .
فقد بدأت الآلة الدعائية للنظام بالفعل في تصوير محادثات اسطنبول باعتبارها انتصاراً للجمهورية الإسلامية ونكسة للغرب . بل إنها تمهد الساحة لتسوية كبيرة من خلال إعداد الرأي العام الإيراني والمجتمع العالمي .
ولكن ينبغي لنا أن نتذكر أن إيران تهتم بصورتها بقدر ما تهتم بإنجازاتها النووية . وأي استراتيجية ناجحة لابد أن تسمح لإيران بالخروج من المحادثات بابتسامة على وجهها، حتى ولو تخلت عن الأجزاء الأكثر حساسية من برنامجها النووي .
لقد جعل المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي من السياسة النووية العنيدة المتصلبة جزءاً مركزياً من سلطته في الداخل . فكان حريصاً لأعوام على تخريب جهود المسؤولين الإيرانيين الذين ربما عقدوا صفقة مع الغرب لأنه يشك في ولائهم له . وهؤلاء الذين اعتبرهم خامنئي محل ثقة لم يكن لديهم القدر الكافي من المهارة لصياغة سياسة التسوية الكفيلة بصيانة قدرته على تصوير نفسه بوصفه زعيماً خشناً مناهضاً للغرب .
ومع تقدم المحادثات، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها لابد أن يتمسكوا بسياسة مزدوجة المسار: تكثيف الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية، والتفاوض بجدية في الوقت نفسه . ويتعين عليهم أن يصروا على الشفافية في ما يتصل بالبرنامج النووي الإيراني، في حين يعرضون تخفيف العقوبات تدريجياً في مقابل ضمانات يمكن التحقق منها بأن النظام لا يسعى إلى إنتاج أسلحة نووية . وإذا بلغت الأمور حد الانهيار، فإن احتمالات توجيه ضربة عسكرية وقائية، سواء من جانب ldquo;إسرائيلrdquo; أو الولايات المتحدة، تظل خياراً مطروحاً .
وبصرف النظر عن نتائجها فإن المفاوضات الجديدة وضعت خامنئي في موقف بالغ الخطورة . فباعتباره الشخص المسؤول عن سياسة إيران النووية، فإن التسوية لا تقل خطورة بالنسبة له عن رفض التسوية . وقد تكون هذه هي الفرصة الأخيرة المتاحة لإيران لتغيير سياستها النووية، وتجنب المواجهة العسكرية، وإنقاذ الاقتصاد . ولكن بالنسبة لخامنئي فإن التنازلات النووية أيضاً قد تقوض احتكاره للسياسة الداخلية .
إن خامنئي ليس جهادياً انتحارياً . فعلى مدى ثلاثة وعشرين عاماً كزعيم كان حريصاً على تجنب السياسات الداخلية والخارجية الخطرة . ولكنه ليس محصناً ضد الحسابات الخاطئة أو سوء التقدير . ففي عام ،2005 اعتمد محمود أحمدي نجاد على الدعم المالي والسياسي من جانب خامنئي للفوز بالرئاسة . ولكن من الواضح اليوم أن خامنئي نادم بشدة على اختياره هذا . ذلك أن أحمدي نجاد يعصي أوامره، ويحاول الانتقاص من مكانته لدى عامة الناس بتحدي سلطته، ويضعف مؤسسات رئيسية، بما في ذلك القضاء والبرلمان . وليس سراً في الدوائر السياسية الإيرانية أن خامنئي نادم أيضاً على سماحه لمتطوعين من ميليشيا الباسيج بمهاجمة السفارة البريطانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي .
والاستنتاج المقلق الذي يمكن استخلاصه من هذه الوقائع هو أنه حتى لو لم يكن خامنئي يبحث عن مواجهة عسكرية، فإنه قد يكون عُرضة لسوء التقدير إلى حد كبير في ما يتصل بكيفية تجنب المواجهة العسكرية .
ويواجه خامنئي مشكلة أكثر عمقاً: فهو ليس آية الله روح الله الخميني، سلفه والمرشد الأعلى المؤسس للجمهورية الإسلامية، الذي شكل هوية النظام . فقد كان الخميني شديد الثقة في نفسه، وكانت سلطته راسخة إلى حد كبير، حتى إنه لم يكن ليخشى تقديم تنازلات إذا رأى ذلك ضرورياً لمصلحة النظام . والواقع أن المكانة السياسية التي يتمتع بها خامنئي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالسياسة النووية الحالية، وهو يفتقر إلى القدر الكافي من الكاريزما والسلطة لدفع النخبة السياسية والدينية نحو التسوية .
إن القدرات النووية بالنسبة لخامنئي ليست هدفاً بل وسيلة لإرغام الغرب وحلفائه على الاعتراف بالمصالح الاستراتيجية للنظام . وهو على اقتناع فضلاً عن ذلك بأن الغرب يسعى إلى إضعاف الجمهورية الإسلامية من خلال شن هجوم ldquo;ناعمrdquo; على الصعيدين الثقافي والسياسي، وأن التنازل فيما يتصل بالبرنامج النووي من شأنه أن يؤدي حتماً إلى تنازلات أخرى فيما يتصل بحقوق الإنسان والديمقراطية، وفي نهاية المطاف إلى تغيير النظام .
وعلى ضوء ما سبق، فإن تقديم الضمانات بأن الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لا يسعى إلى الإطاحة بزعماء إيران لابد أن يشكل عنصراً أساسياً في أي تسوية نووية . والواقع أن خامنئي ربما يطالب بأن يغطي هذا الضمان البث باللغة الفارسية، والدعم المالي والسياسي لجماعات المعارضة، والرقابة على الإنترنت .
إن الأزمة النووية لابد أن تُحَل من خلال المفاوضات، قبل أن تضيع الفرصة على حد تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما . والمشكلة بالنسبة لخامنئي وبالتالي بالنسبة لهؤلاء الذين يتفاوضون مع إيران هي أن الفائدة المترتبة على نجاح المفاوضات ضئيلة بالنسبة له . والعقبة الأكبر التي قد تحول دون التوصل إلى نتائج ناجحة تتمثل في التناقض الذي يحيط بموقفه: فلابد لكي يقبل بالتسوية أن يحفظ ماء وجهه، ولكن لكي يحفظ ماء وجهه فيجب عليه ألا يقبل بالتسوية .
* كبير زملاء معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والمقال ينشر بترتيب مع ldquo;بروجيكت سنديكيتrdquo;
التعليقات