النظام السوري اراد منذ البداية للثورة السورية أن تكون طائفية، لأنه يعلم أن المنطقة المحيطة بها كلها ستشتعل إن هو لعب على هذا الوتر.


إيلاف: يقترب الكاتبان تركي الدخيل وسليمان تقي الدين من الخلفية التاريخية لأحداث لبنان الاخيرة، بينما تقرأ نادين هاني اشتباكات طرابلس وبيروت الاخيرة من الزاوية الاقتصادية وتأثيرها على السلوك ( الاقتصادي ) للفرد .

ففي مقاله في جريدة ( الوطن) السعودية يرى الدخيل أن النظام السوري اراد منذ البداية للثورة السورية أن تكون طائفية، لأنه يعلم أن المنطقة المحيطة بها كلها ستشتعل إن هو لعب على هذا الوتر.
ويطرح الدخيل سؤالاً حول مستقبل الاحداث في لبنان: هل تقرع طبول الحرب؟!، مشيرًا الى احتلالين، الاول دخول رموز الحرب الأهلية في إدارة شؤون لبنان وتسيّدهم للطوائف الممثلة بالمحاصصة في الحكومة، والاحتلال الثاني هوالنفوذ السوري والتحكم التام بمعظم الرموز اللبنانية. كما أن الحرب الأهلية التي حدثت وذاق كل لبنانيّ مرارتها لم تنتج نظاماً مختلفاً. فما يجري في لبنان بحسب الدخيل هدنة طويلة حيث طبول الحرب الأهلية تدق مع أصغر حدث كما أن التهدئة هي السائدة .
حسنة الطائف
ويعرج الدخيل على اتفاق الطائف بالقول: حسنة الطائف أنه أوقف الحرب ويدرك نبيه بري أن من بين بنود اتفاق الطائف الإلغاء التدريجي للنظام الطائفي، وهو يدعو دائماً إلى إلغاء النظام الطائفي ويشترك مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، لكنها دعوات غير مقصودة، لأن إلغاء النظام الطائفي يعني غياب هذا الوجود واستبداله بمعايير مدنية.
ويذكر الدخيل بما قاله على حرب في كتابه quot;ثورات القوة الناعمة في العالم العربيquot; عن أن جدته كانت تحدثه عن مميزات الطائفة التي تؤمّن للإنسان اللبناني قوته، هذا فضلاً عن التسهيلات من قبولٍ في الجامعة إلى ابتعاث... إلخ، كل أزمة يمكن للزعيم أن يحلها، وهكذا تكون الطائفة هي الملجأ والملاذ. تغيير النظام الطائفي يتطلب تغييراً للثقافة، لأجيالٍ نشأت على تقديس هذا الزعيم أو ذاك، هذا ما ينصر لبنان وينجيه. لأن الديموقراطية التي تجري به ديموقراطية ضارة وتحرس الاستبداد. الذي يجري في لبنان حالياً هو تصدير للخراب الذي يشعر به النظام السوري. يريد أن quot;يصدّرquot; الخراب.
من يفتعل الازمة؟
لكن سليمان تقي الدين يقر في مقاله في صحيفة (الخليج الاماراتية) بصعوبة تحديد الجهة التي بادرت إلى افتعال الأزمة الأخيرة في لبنان مؤكدًا على أن هناك سياقاً تاريخياً للأزمة، وهو سياق معقد وجميع الأطراف والقوى السياسية المحلية والإقليمية متورطة فيه.
ويفترض تقي الدين ما يلي: اذا اتهم طرف واحد بعمل معيّن فإن التداعيات لم تكن عفوية في أي مكان، فالمسرح اللبناني متوتر مستنفر ومعبّأ للاشتعال بالاحتجاجات السياسية والحوادث الأمنية. ورغم أن الحكومة شبه مشلولة وغير مؤثرة كثيراً وهي تراعي جميع الأطراف والاعتبارات وتحاول المساومة والتسوية، إلاّ أن وجودها يأكل من رصيد أحد التيارات الأساسية المبعدة عن المشاركة فيها.
النأي بالنفس
ويشير تقي الدين الى رفع الحكومة شعار ldquo;النأي بالنفسrdquo; تجاه الأزمة السورية في سعي إلى ترجمة هذا الشعار بالقدر الذي تستطيع خاصة في المواقف السياسية والدبلوماسية والعلاقات الخارجية.
يتابع تقي الدين : لكن أطراف الحكومة كما سائر القوى اللبنانية تورطت في الأزمة السورية منذ اللحظة الأولى سياسياً وميدانياً. في الأصل انشق لبنان على نفسه في صيغة مع وضد سوريا، وهناك توترات قديمة في علاقة الأطراف مع الدولة التي تتداخل علاقات السكان بها يومياً عبر حدود واسعة ومصالح اقتصادية متنوعة وعلاقات اجتماعية مندمجة .
ويذكّر تقي الدين بظروف خروج القوات السورية في لبنان مدونًا : جاء الخروج في ظل صراع سياسي كبير جعل هذه العلاقة أكثر توتراً . ولم تنسحب سوريا من الملف اللبناني وهي تمارس نفوذاً وتأثيراً داخل مؤسسات الدولة ولديها حلفاء يرتبط مصيرهم بمصير سياستها، وخلال السنوات القليلة الماضية شعرت فئات لبنانية بالغبن والظلم المتمادي من الممارسات السابقة ورأت أنها لم تستطع أن تحقق حريتها الكاملة في ظل الوضع الجديد وعندما انفجرت الأزمة الداخلية السورية اتجهت إلى تعزيز الشعور الطائفي في كلا البلدين ولم يعد ممكناً عزل الصراع في لبنان عمّا يجري في سوريا .
ويسمي تقي الدين أصوليتين في لبنان تتغذّى الواحدة من الأخرى وترتكزعلى مصالح مادية فعلية من اقتسام النفوذ والخدمات، مشيرًا الى أن الدولة فقدت الصفة المعنوية والمصلحية العامة وصارت قراراتها تحسب في خانة نفوذ الجماعات .
امتيازات خاصة
ويستطرد: تتمتع الجماعات بامتيازات خاصة من بينها واقع السلاح الذي يمتلكه طرف سياسي مذهبي ولم ينجح الحوار الوطني في حل مشكلات أساسية تتعلق بغياب التوازن وبشعور مجموعات لبنانية بالغبن، وأخرى بالاستقواء، حتى أن قضايا مثل السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها لم تجد طريقها إلى المعالجة.
ويخمن تقي الدين الى أنه من المتعذر ربما اليوم في إنتاج توازن مسلح في لبنان لكن النزاعات الأهلية لا تحتاج إلى التوازن بل هي تستمد شرعيتها من الجغرافيا السياسية. ويتابع: في الأزمة الأخيرة حصل ما يشبه هذا التوازن السياسي إذ ارتسمت مناطق نفوذ واضحة وبدأت تطرح على اللبنانيين مهمة معالجة وحدتهم الوطنية قبل أن يقع محذور الحرب الأهلية.
الاصول (الدولارية) في مصرف لبنان
وتتساءل نادين هاني في مقال لها في جريدة (النهار) اللبنانية وهي تقرأ الاحداث من وجهة نظر اقتصادية : هل يهدّد توتّر الشارع وضع الليرة؟
وتلقت نادين في الايام الماضية عددًا من الاسئلة عن quot;وضع الليرةquot; والقطاع المصرفي،حيث تبرر ذلكالمقارنة ما بين الوضع المالي للبنان اليوم، وما كان عليه في 2006 قبل حرب تموز، لتقويم مدى قدرته على امتصاص الصدمات.
تسترسل نادين مدونة : عند أي صدمة يتمثل رد فعل بعض اللبنانيين بتحويل ودائعهم بالليرة اللبنانية إلى دولار، أو إلى الخارج، فيزداد الطلب على الدولار، وتبرز أهمية الاصول الدولارية التي يمتلكها مصرف لبنان لتلبية هذا الطلب، والتي تصل اليوم إلى 33 مليار دولار، ما يمثل ثلاثة اضعاف مستواها قبل حرب تموز، عندما كانت في حدود 12،7 مليار دولار. وتغطي هذه الموجودات الدولارية تمويل فاتورة سنة ونصف السنة من الواردات، مما يعتبر هامشاً مريحاً.
وتشير نادين الى أنه عندما تمر أي دولة بأزمة ما، ويخشى المستثمرون قدرتها على سداد مستحقاتها، ويطلبون عائداً اعلى ليشتروا سنداتها، ترتفع كلفة اقتراضها. وإذا وصلت إلى مستويات غير مستدامة يتعذر عليها الاستمرار في خدمة الدين، كما يحصل اليوم مع اليونان، إلا إذا كان الدين مقوماً بالعملة المحلية، عندها يستطيع المصرف المركزي طبع العملة المحلية والسداد.
وتؤكد نادين الى أنه من المجدي النظر إلى حجم الدين المقوم بالعملة الاجنبية، مقارنة باجمالي الدين العام. وفي لبنان يصل الدين الدولاري إلى 20،6 مليار دولار، ويشكل 38% فقط من اجمالي الدين العام (مقارنة مع 50% في 2006). وفي أسوأ الاحوال، فإن موجودات مصرف لبنان بالعملة الاجنبية تغطي الدين العام بالعملة الأجنبية بمرة ونصف المرّة.
لكن نادين تطمئن الى أن معظم الدين اللبناني هو في أيدٍ لبنانية، ووفق قسم البحوث في بنك عوده، فقط 12% من الدين اللبناني هو بأيدي مستثمرين أجانب، ما يعطي الاستقرار لتكلفة الدين العام، لأن ردة فعل حاملي السندات اللبنانيين ليست بالحدة عينها التي قد يتسم بها سلوك الاجانب. ولتأكيد صحة هذه النظرية، تقول نادين إنه رغم أن الدين العام في اليابان هو الاكبر في العالم الصناعي، لكن كلفة استدانتها هي من بين الأكثر انخفاضاً في العالم، لأن 92% من الدين يحمله مستثمرون يابانيون.