خالد مخلوف
laquo;المستجير من الرمضاء بالنارraquo; قول دارج يبين ربما الذي استنجد من شيء يراه قاسياً، ليكتشف أنه ذهب إلى الأشد منه قسوة ووطأة، وهي مقولة تصف إلى حد بعيد المصريين الذين انتخبوا الفريق أحمد شفيق أحد أشد المقربين إلى الرئيس المخلوع مبارك في الاقتراع على منصب رئاسة الجمهورية، والذي دار بين 13 مرشحاً، وهو ذات الشخص الذي عينه الرئيس السابق في منصب رئاسة الوزراء بعد ثورة 25 يناير وخروج ما يقارب 20 مليون مصري إلى الشوارع في غضبة شعبية جارفة على النظام السابق، والذي استمر حوالي 30 عاماً بتزوير إرادة الشعب، وهو نفسه المتهم من قبل كثيرين بالوقوف خلف موقعة الجمل الشهيرة ومقتل المئات وإصابة الآلاف في جمعة الغضب.
ورغم تصور البعض الخاطئ أن شفيق الذي حل في المركز الثاني في عملية الاقتراع على منصب الرئيس خلف محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين قد يكون ملجأ لهم، ومنهم فلول المخلوع والنظام السابق، والمتخوفين من حكم الإخوان ومن يريدون الهروب بالغنائم التي نهبوها من الشعب المصري وما أكثرهم وأيضاً المتمتعون بسطوة السلطة، وهم عدد غير قليل من الأجهزة الأمنية، فإن تقدير هؤلاء للفوضى التي يمكن أن تحدث لا يزال قاصراً، فلن يضمن أحد كيف ستكون الغضبة الثانية للشعب المصري على كل من أسهم في معاناته، ولا يزال يتفنن في زيادة هذه المعاناة.
إن تشتت القوى الثورية والليبرالية من خلال عدد من المرشحين الذين يحظون بتأييد قطاع واسع من المصريين أدى إلى تفتيت الأصوات بينهم في الوقت الذي عرف مرشح الفلول ماذا يفعل جيداً في ظل المساندة الكبيرة من قطاع واسع من السلطة التنفيذية والحكومية التي لا تزال تمسك بتلابيب النظام البائد وتسعى إلى إعادة إنتاجه مرة أخرى للحفاظ على مصالحها أو للهروب بمغانمها وعدم محاسبتها.
إذا طالعنا الخريطة الانتخابية بشكل تقريبي نكتشف أن الخمسة ملايين ونصف تقريباً الذين أعطوا صوتهم للمرشح أحمد شفيق الذي يخوض انتخابات الإعادة على منصب رئيس الجمهورية يمثلون حوالي %6 فقط من إجمالي الشعب المصري، وهي نسبة لا تذكر، وربما حوالي %23 من إجمالي عدد الذين صوتوا في الانتخابات الذين لا يزيد عددهم أيضاً عن 25 مليون من إجمالي نسبة من يحق لهم الانتخاب، وهم حوالي 50 مليون مصري، وهي نسبة قليلة أيضاً لا تعبر عن ما يدور ربما في ذهن البعض أن الشعب المصري قد أتى بفلول الرئيس والنظام السابق بعد أن قام بثورة أزاحت الرئيس وعدداً من أركان حكمه، حيث إن هذه النسبة طبيعية جداً، وتتناسب مع التخوفات الموجودة لدى بعض الطوائف من مرشح الإخوان المسلمين، وأولهم فئة الأقباط الذين تم حشدهم للتصويت لمرشح الفلول، والذين تأثروا إلى حد خطير بإعلام نظام المخلوع الذي لا يزال يثير في الأرض فساداً، ويصور الإسلاميين على أنهم فزاعة للجميع، واستطاع كذلك التأثير على نسبة غير قليلة من المواطنين الذين تأثرت أعمالهم وحياتهم بالغياب الأمني المتعمد للوصول إلى هذه النتيجة والتي قالها الرئيس المخلوع مبارك قبل رحيله laquo;عليكم الاختيار بين الفوضى والاستقرارraquo;، وقام للأسف وبمساعدة من جهات نافذة معارضة لأي عملية تحول ديمقراطي بإشعال المرحلة الانتقالية ودفع البلاد إلى المشكلة تلو الأخرى، فمرة أزمة وقود طاحنة والوقوف في طوابير طويلة لساعات للحصول على ما يكفي لتسيير السيارات، ومرة أخرى أزمات أسطوانات الغاز، هذا بخلاف الانفلات الأمني المتعمد والذي طال الملايين في غيبة متعمدة من الأمن، وذلك لعقاب المواطنين على الثورة، ودفعهم للتندر على النظام السابق، والأمن الغائب، والاستقرار المفقود.
ورغم تعمد دفع المجتمع إلى الكثير من المشاكل نكاية في الثورة فإن القلة هي من صوتت لرمز النظام السابق، وذلك وفق مبررات التخوف من الإخوان، وعقابهم على محاولة استئثارهم بالسلطات، وأيضاً رغبة من بعض الأجهزة الأمنية في الانتقام من الثورة، وتخوفا منها في التعرض للعقاب والمسائلة في الكثير من الملفات التي ستفتح بالطبع في حالة تفعيل نظام ديمقراطي يعتمد الشفافية وسيادة القانون سبيلاً ومنهجاً، هذا بالإضافة إلى عمليات التزوير الممنهجة والمتقنة والتي أدت إلى إضافة الملايين من الأصوات الكاذبة إلى مرشح الفلول.
إن تضافر القوى الثورية مع مرشح الإخوان بعد الحصول على تطمينات من حزب الحرية والعدالة هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق، والدفع في اتجاه الوصول إلى أول رئيس مدني لمصر، وتنفيذ أول عملية تحول ديمقراطي حقيقية في دولة عربية، وهو بلا شك سيناريو قابل للتحقيق في حالة إنكار الذات، وإعلاء صالح الوطن من جميع القوى الثورية والليبرالية والإسلامية لقطع الطريق على إعادة إنتاج النظام البائد، والذي سيكون عودته بلا شك خراباً على الجميع، فهل تستمع القوى السياسية إلى صوت العقل، أم تؤدي خلافاتهم إلى عودة نظام مبارك مرة أخرى!









التعليقات