بغداد - عبدالواحد طعمة

أفرزت الأزمة السياسية الحالية في العراق وجوهاً عدة للصراعات الدائرة بين مكونات الطيف الواحد، ساعد انسحاب القوات الأميركية في بروزها إلى السطح، وبالإضافة إلى خلافات شيعية ndash; شيعية ذات طابع سياسي وديني شكلت جوهر الأزمة، فأن خلافات أخرى تتعلق بهيكلية الدولة تشكل جوهر الخلاف السياسي الدائم في العراق.

أطـراف داخـل laquo;الـتـحـالـف الوطنيraquo; مـن بيـنـها laquo;المجـلس الأعـلىraquo; وجدت أن laquo;المشـكلة الرئيسية تكمن في أن السياسيين تخلوا عن الآليات المنظمة للنزاعات أو أن هذه الآليات لم يعد يعتمدها الجميعraquo;.

ويقول الشــيخ جلال الدين الصغير، القيادي البارز في المـجـلـس: laquo;عبثت أطراف بالمحكمة الاتحادية ومنذ عام 2007 ما عاد أحد يثق بأحكامها أو قل بأن أحكامها باتت موضع شك، بعد أن جعلها الدستور بمثابة الناظم الأساس للنزاعات، وعبثت أطراف باسـتقلالية المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وهي الناظم الثاني حتى ما عاد خيار العودة للانتخابات مطمئناًraquo;.

وأشار إلى أن laquo;حكومة المالكي عملت طوال المدة التي حكمت فيها من دون نظام داخلي على رغم الوعد، ضمن اتفاقات الطاولة المستديرة، بكتابته خلال ستة أشهر بعد تشكيل الحكومةraquo; كما laquo;تم تسييس وإفساد هيئة النزاهة، وتحول القضاء من سلطة مستقلة إلى سلطة يتحكم بها أهل السياسة في الكثير من الأحيانraquo;. وزاد: laquo;تم تعطيل الدور الرقابي للبرلمان، وتجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية من قبل رئاسة الوزراء، والقانون بدا وكأنه ينظر إليه وفق المصالح فما كان متوافقاً مع المصالح جرى العمل به، وتكفي نظرة على تطبيقات الحكومة لقانون المساءلة والعدالة لنعلم حقيقة هذا الأمرraquo;.

ولفت إلى أن laquo;حجب الثقة من الحكومة سيضعنا أمام خيارين فقد لا يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة ما يجعل حكومة المالكي حكومة تصريف أعمال وبالتالي سيجعلها أكثر جرأة في تخطي ما تبقى من نواظم ضابطة ما سيؤجج الصراع أعمق مما عليه الأمر الآن، وعن الخيار الثاني laquo;قد تؤدي عملية حجب الثقة إلى تشكيل حكومة جديدة، لكنها ستكون هي الأخرى ضعيفة لسببين، أولاً: لا وقت لديها حتى لو كانت في قمة النزاهة والقوة لإيجاد حركة الإصلاح، كما سينهشها صراعها مع الكفة المتبقية من ميزان القوى التي ستكون متضررة من الحكومة الجديدة، ولو أضفت إلى ذلك الركام الكبير المتخلف من الحكومة السابقة فإن المشكلة ستتبدّى أكثر وضوحاًraquo;.

إعادة تشكيل الدولة

لم يقتصر تقديم أولويات الإصلاح على سحب الثقة وأهمية إعادة تشكيل الدولة وإجراء إصلاحات على إدارتها على أطراف laquo;التحالف الشيعيraquo;، ففي laquo;القائمة العراقيةraquo; دعا رئيس laquo;حركة الحلraquo; (12 مقعداً)، جمال الكربولي، القوى السياسية العراقية إلى اغتنام ما تمر به العملية السياسية الحالية من أزمة لإعادة تشكيل الدولة وفق الدستور، برعاية رئيس الجمهورية، واعتبرها laquo;فرصة أهم من سحب الثقة من المالكي، وقال الكربولي إن laquo;الفترة الحالية وعلى رغم الأزمة السياسية، نراها فرصة ذهبية لإعادة تشكيل الدولة من جديد وفق الدستور على رغم كل ملاحظاتنا عليهraquo;. وأضاف: laquo;دوائر الدولة وخلال السنوات السبع الماضية بنيت على حزب بعينه. وهناك الآن، وهذه واحدة من الاتهامات الموجهة لرئيس الوزراء، عشرات المناصب إن لم تكن المئات مشغولة بالوكالة، وأصحاب المناصب صنفان، الأول من حزب المالكي، والثاني من المشمولين بإجراءات قانون المساءلة والعدالة وتم استثناؤهم وفقاً لصلاحيته وجزء كبير منهم بعد سحب الثقة سيبحثون عن جهة لمبايعتها وقد تكون خارجية، وهناك ما تبقى من المواقع الإدارية والقيادية التي وزعت وفق مبدأ المحاصصة ستستأثر بمناصبها وترمي بالوزارات والمؤسسات في أحضان أحزابهاraquo;.

ويرى الكربولي أن laquo;الذهاب إلى مبادرة رئيس الجمهورية جلال طالباني الأخيرة لحل الأزمة هو الخيار الأكثر ضمانة للمحافظة على سلامة الوطنraquo;. وأضاف: laquo;نحن نرى أن إدارة الدولة يجب أن تنفصل عن الشخصنة أو الحزبية من خلال مشروع وطني تساهم فيه جميع الكتلraquo;.

أما على الجانب الكردي فيؤكد الناطق باسم المكتب السياسي لـ laquo;الاتحاد الوطنيraquo; آزاد جندياني أن laquo;القضية ليست سهلة كي نتعامل مع عدد كبير أو قليل من تواقيع النواب. بوجود التواقيع الكافية أو عدمه سيواجه الأكراد مختلف السيناريوات على مستوى الوضع الداخلي في العراق والمنطقة، ومن غير المؤكد أن يكون كلا التوجهين في صالحهمraquo;.

وكشف للمرة الأولى وفي شكل علني، عن خلافات بين الحزبين الحاكمين في الإقليم حول سحب الثقة laquo;على رغم الاتفاق الاستراتيجي الموقع بين الحزبين الكرديين الرئيسين، فإنهما يختلفان في بعض القضايا والمواقف من بغدادraquo;. وأضاف: laquo;الاتحاد لم يتخذ قراره في شأن سحب الثقة. هناك مسألتان مهمتان لإقليم كردستان، الأولى هي الحفاظ على وحدة الأكراد، خصوصاً الديموقراطي والاتحاد الوطني، وفي النهاية إذا وقع نواب الأخير قرار سحب الثقة، نقولها بصراحة، فالقرار سيأتي في إطار الحفاظ على الوحدة في الدرجة الأولى، وإلا فإن تداعيات التوقيع لا تخلو من مخاطر، ويحتمل أن تؤثر في مستقبل الأكراد في ظل التوتر الذي تواجهه المنطقة ككلraquo;.

الصدر يبادر

وتشير المعطيات إلى أن موقف زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، (40 مقعداً) من المالكي، يؤشر إلى سياسة جديدة ينتهجها، تتمثل في مرحلة ما بعد laquo;الانسحاب الأميركيraquo;، تخلص فيها الصدر من الضغوطات التي كانت أدت إلى تجديد الولاية لرئيس الحكومة الحالي.

فذاكرة الصدر، تختزن ما واجه اتباعه من اضطهاد وتعسف الحكومة باعتقالها قيادات مهمة من تياره والزج بها في السجون سنوات عدة، ووصفهم عام 2008 بالخارجين عن القانون وشنها حملة عسكرية كبرى أطلق عليها laquo;صولة الفرسانraquo; أدت إلى قتل المئات من عناصر جيش المهدي، في بغداد والمحافظات الشيعية، بقي يتباهى بها المالكي إلى وقت قريب.

ودفع المالكي بعد laquo;صولة الفرسانraquo; عدداً من قيادات الصدر على التمرد والانشقاق على زعيمهم وتشكيل حركات سياسية مثل حركة النائب الحالي عدنان الشحماني ووزير الصحة في حكومة إبراهيم الجعفري عن laquo;الكتلة الصدريةraquo; عبدالمطلب محمد صالح، وضمها إلى كتلته في الانتخابات السابقة، كما عمل على دعم فصائل مسلحة انشقت عن laquo;جيش المهديraquo; واستمالتها للتحالف معه في الشارع وسحب البساط من تحت الصدر مثل laquo;عصائب أهل الحقraquo; بقيادة الشيخ قيس الخزعلي.

صراع laquo;حوزوي قوميraquo;

أما الوجه الأكثر حدة من صراع الصدر - المالكي يتمثل بتـصـديه إلى التدافع التاريخي بين مرجـعـيات المذهـب الشـيعي الإثـني عشريـة، وفيما إذا كانت الغـلـبة فـي مـشيـخـتـه تنتهي إلى laquo;القميين ndash; نسبة إلى قمraquo; أو laquo;النجفيين ndash; نسبة إلى النجفraquo;. وهنا يبرز صراع قومي خفي بين علماء الدين، فالنجف تمثل laquo;الخط العروبيraquo; للـطـائفة، وقم رمزاً لهيمنة laquo;الإيرانيينraquo; على مقدرات الشيعة.

وفي قراءة للاصطفافات التي حصلت أخيراً داخل laquo;التحالف الوطنيraquo; الذي يضم القوى الإسلامية الشيعية فإن القوى التي ترتبط بمرجعية آية الله محمود الشهرودي، المرشح لخلافة مرشد الثورة الإيراني علي الخامنئي، هي حزب الدعوة الإسلامية - المقر العام ورئيسه المالكي، وتنظيم العراق، بقيادة هاشم الموسوي، وأبرز قياداته نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي، وتنظيم الداخل، أمينه العام عبدالكريم العنزي، ومنظمة بدر، التي يرأسها وزير النقل هادي العامري (فيلق بدر) نواة حزب الحكيم الحالي، والمجلس الأعلى الإسلامي بقيادة رجل الدين الشاب عمار الحكيم، الذي انبثق من laquo;فيلق بدرraquo; وحزب الفضيلة، ومؤسسه آية الله محمد اليعقوبي، وكل هذه القوى تقف إلى جانب المالكي في مواجهة الخندق الآخر المطالب بسحب الثقة منه.

أما laquo;عصائب أهل الحقraquo; القريبة من الشهرودي، فقد أعلنت على لسان زعيمها، خلال استعراض قوة، اعتبره مراقبون استفزازاً للصدر، حضره القيادي في حزب الدعوة النائب كمال الساعدي، تحفظها على توجهات قوى سياسية لسحب الثقة من رئيس الحكومة، فيما اعتبر الصدر الاستعراض الأخير laquo;تمثيلية مدعومة من الخارج وبالتحديد من بعض دول الجوارraquo; في إشارة إلى إيران، واعتبر laquo;وجود بعض أطراف دولة القانون (كمال الساعدي) يعني أن القانون أصبح يستعين بالمليشياتraquo;.

وفي تطور خطير لاحق هددت مجموعة laquo;المرابطونraquo; الصدر بالقتل في حال استمرار مطالبته بسحب الثقة من الحكومة عبر بيان موقع باسم اللواء الركن علي كامل الإمارة.

خامنئي يتدخل

ما أن بدأت القوى المناهضة للمالكي، إجراءات عملية في جمع تواقيع نوابها بحسب المادة 61 من الدستور، بدأ شعور كتلة المالكي laquo;دولة القانونraquo; بالخطر يدفعها، إضافة إلى التشكيك لكسب الوقت، إلى الاستنجاد بطهران لتخفيف ضغوطات الصدر بعدما أحرجها في تحالفه مع مكونات من laquo;القائمة العراقيةraquo; 91 مقعداً، و laquo;تحالف الكتل الكردستانيةraquo; 57 مقعداً.

وعلى رغم تفاوت المواقف بين جميع مكونات القائمتين، وفشل المؤسسة الحكومية الإيرانية خلال الفترة الماضية، في احتواء الصدر بشكل مطلق وما يشوب علاقته بـ laquo;فيلق القدسraquo; و laquo;اطلاعاتraquo;، وجد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي الخامنئي نفسه مضطراً إلى التدخل بإرسال أحد مستشاريه laquo;حسن الموسويraquo; إلى النجف لدعوة الصدر إلى مقابلته في طهران واصطحبه في طائرة خاصة إلى هناك.

الشيخ أبو محمد الساعدي، القيادي السابق في laquo;جيش المهديraquo; أكد أن laquo;طهران ترى ضرورة في بقاء المالكي كحلقة وصل مهمة مع واشنطن لاستخدامه عامل تخفيف للتوتر بين البلدين في خلافاتهما على الملف النووي، والأمر نفسه يقف وراء دعم الأميركيين لبقاء رئيس الحكومة الحاليraquo;.

سبقت تحركات خامنئي فتوى أصدرها وكيله في العراق الشيخ مهدي الأصفي، مطلع الشهر الجاري، حرم فيها إضعاف الحكومة أو سحب الثقة منها واعتبر أن laquo;إضعاف هذه الحكومة بأية طريقة يعتبر إهداراً لتلك الدماء والجهود والمعاناة، ولا يجوز المساهمة في أي مشروع يساهم في إضعاف الحكومة وإشغالها عن أداء مهماتهاraquo;، فيما حرم رجل الدين كاظم الحائري، أحد طلبة آية الله محمد باقر الصدر، ويعتبره آخرون من التيار لصدري، خليفة لآية الله محمد صادق الصدر، والد مقتدى، التحالف مع العلمانيين والتصويت إلى جانبهم، في إشارة إلى laquo;العراقيةraquo; و laquo;الكردستانيةraquo;.