سقوط النظام السوري سيؤثر على التركيبة السياسية في العراق وسيدفع بالقوى المعارضة للتدخل الإيراني إلى صدارة المشهد السياسي في بلاد الرافدين


إيلاف: يرى سعيد حارب أن طبيعة العلاقة بين إيران والنظام السوري تتعدى مسألة ( مساندة قوى المقاومة )، كما يسميها البعض، الى ما هو أبعد، وهي علاقة تعتمد في اسبابهاعلى الدور الذي ترسمه إيران لنفسها لا على المستوى الإقليمي، بل على المستوى العالمي وما مساندتها للنظام السوري إلا لتحصيل أكبر قدر من المكاسب السياسية.

وعلى الصعيد السوري ايضًا يكتب فايز سارة عن العوامل التي دفعت إلى تنظيم مقاومة سورية مسلحة في مواجهة الحل الأمني - العسكري للأزمة، دفع بعضها عناصر من جماعات مسلحة من القاعدة وأخواتها إلى المجيء إلى سوريا، وساعدها في ذلك تزايد نزاعات العسكرة والتوجه للسلاح، وسهولة العبور إلى الأراضي السورية، التي كان هؤلاء استخدموها في السابق للمرور باتجاه العراق ولبنان، وضعف قدرة السلطات السورية في تأمين فعّال لحدود طويلة مع دول الجوار.
إيران تعتبر سوريا امتداداً
ويشير سعيد حارب في مقاله الذي نشرته جريدة الاتحاد الاماراتية في عددها الصادر اليوم الى ما أوردته احدى الندوات المتخصصة من أنquot; إيران مستعدة للتخلي عن رغيف الخبز للمواطن الإيراني، لكنها ليست مستعدة للتخلي عن النظام السوريquot;.
ويؤكد حارب على أن إيران تعتبر سوريا امتداداً للحلف الذي تحاول إقامته حول المحيط العربي ابتداءً من العراق وانتهاءً بلبنان.
ويتابع: quot; تعتبر هذا الامتداد الجغرافي مساحة لها للوقوف، أمام الجبهتين الشمالية والجنوبية المحيطة بها، ففي الشمال يتنامى الدور التركي الإقليمي سياسياً واقتصادياً وتقدم تركيا نفسها كإحدى القوى الدولية الصاعدة مستخدمة سياسة quot;القوة الناعمةquot;، وتعتبر نفسها الأولى بالقيام بالدور الإقليمي خاصة أن هذا الدور يحظى بقبول الجيران وخاصة المحيط العربي والأوروبيquot;.
العرب وايران
وعلى الجبهة الجنوبية يذكّر حارب بأن إيران ترى (تخلُقاً) لنظام عربي بدأت ملامحه تتشكل، ليس في دول الثورات العربية وحدها، بل في دول الاستقرار العربي، وخاصة مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي حيث برز الدور المتنامي للمجموعة الخليجية خلال السنوات الثلاث الأخيرةquot;.
وقد يبدو للناظر أن الخليجيين مشغولون في بعض خلافاتهم التفصيلية كمشروع الانتقال من التعاون إلى الاتحاد، إلا أن موقفهم الخارجي أكثر تماسكاً وتأثيراً خلال هذه السنوات على الرغم من quot;تقاسمquot; الأدوار في ما بينهم، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال الموقف من الثورات العربية حيث ذهب بعضهم للمساندة المباشرة، بينما اكتفى آخرون بالدعم السياسي.
ويشير حارب الى أن الموقف من لبنان يمثل صورة أخرى لوحدة الموقف الخليجي، حيث تتخذ دول الخليج العربي موقفاً موحداً مما يدور في لبنان من أحداث.
وفي هذا الصدد يقول حارب quot; الى جانب المجموعة الخليجية، فإن ملامح النظام العربي الجديد تبدو في دول الربيع العربي، وفي كل الأحوال لن تكون هذه الدول جزءاً من المشروع الإيراني لأسباب كثيرة أبرزها موقف إيران من الثورة السورية واختلاف النظم من حيث ارتباطها السياسي بالديني حيث تبدو القوى الثورية العربية متجهة لاختيار نظام الدولة المدنية مقابل نظام الدولة الدينية، الذي يتمثل في إيران بصورة واضحة، كما أن دول الثورات العربية ترتبط بعلاقات ومصالح اقتصادية واسعة مع دول الخليج العربي، وليست على استعداد للتضحية بهذه العلاقات والمصالح مقابل العلاقة مع إيران مهما قدمت لها من إغراءات، ولئن بدت الأمور مضطربة خلال الفترة الحالية، فإن مرحلة الاستقرار ستدفع بكلا الكتلتين (الخليجية ودول الربيع) إلى التقارب أكثر لهذه الأسباب ولغيرها، ولذا فإن إيران تبحث عن آخر ساحة عربية تجعلها حاضرة في الشأن الإقليمي، ولن تجد خيراً من سوريا لهذا الحضور ولنا أن نتصور حال حزب الله بعد سقوط النظام السوري الذي كان يشكل قنطرة له في علاقته مع إيران. وكيف سيكون عليه الوضع في لبنان إذا حدثت تغيّرات إقليمية جذرية وربما خرج لبنان بسقوط النظام السوري من محورية المشروع الإيراني، ولن يتوقف تأثير ذلك على لبنان فقط، بل سيمتد إلى العراق الذي أصبح ساحة خلفية للمشروع الإيراني
في المنطقة بحيث أصبحت قرارات بغداد تُتخذ في طهران، ولعل الدور الإيراني في حماية حكومة المالكي نموذج عن ذلك، وهو ما عبر عنه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عندما قال إنه تعرض لـ ضغوط سياسية ودينية من طهران للامتناع عن إسقاط حكومة المالكي، ولذا فإن سقوط النظام السوري سيؤثر على التركيبة السياسية في العراق وسيدفع بالقوى المعارضة للتدخل الإيراني إلى صدارة المشهد السياسي في بلاد الرافدين quot; .
تأثيرات سقوط النظام السوري
ويعتقد حارب أن من اهم تأثيرات سقوط النظام السوري على إيران هو تراجع المشروع الإيراني إقليمياً ودولياً، وهذا ما تعمل إيران على تجاوزه، ولذا فهي تحاول البحث عن مكاسب مقابل تخليها عن النظام السوري الذي يبدو أنه لن يستمر طويلًا.
وأحد الامثلة على ذلك بحسب حارب ـ أن إيران quot;استعانت بصديقquot; ليكون لها نصيب من quot;كعكةquot; سوريا، وتمثلت تلك الاستعانة بدعوة روسيا لعقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه إيران! حيث تطرح الأخيرة نفسها كلاعب دولي في القضايا العربية، ويمكن أن يكون تخليها عن النظام السوري مقابل دور إقليمي يطلق يدها في المنطقة، وخاصة منطقة الخليج العربي، التي كثيراً ما ردد القادة الإيرانيون أنها ميدان نفوذهم الذي يجب ألا ينازعهم فيه أحد! ولعل من المكاسب التي تأملها إيران مقابل التخلي عن النظام السوري هو تعزيز موقفها التفاوضي أمام الغرب والمجتمع الدولي في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، لكن يبدو أن كلا المكسبين لن يتحققا لإيران، لأن المجتمع الدولي يعلم أن مساندة إيران للنظام السوري هي quot;حقنة الرمق الأخيرquot;، وليس أمام إيران سوى البحث عن ساحة جديدة لتنفيذ مشاريعها، أو أن تتعامل مع محيطها الإقليمي والدولي بواقعية براجماتية تحقق مصالحها ومصالح الآخرين، وقبل هذا وبعده عليها أن تحافظ على رغيف الخبز للمواطن الإيراني فهي مسؤولة عنه أولاً قبل غيره!
سوريا قبلة الجهاديين
وفي مقاله في جريدة الشرق الاوسط يطرح فايز سارة السؤال فيما اذا اصبحت سوريا بالفعل قبلة الجهاديين؟.
يقول سارة: quot; يندر مرور يوم من دون أن تشير أجهزة الإعلام السوري إلى المسلحين والإرهابيين وعملياتهم في سوريا، ويندر أن لا يشار في تفاصيل الأخبار إلى تواصل قدوم الإرهابيين إلى البلاد عبر الدول المحيطة أو منها، وقد درجت أجهزة الإعلام السورية على ضخ تلك الأخبار منذ بدء حركة الاحتجاج والتظاهر السورية في مارس (آذار) 2011 بصورة متواترة ومكثفةquot;.
ويبدو أن مسار الإعلام السوري في هذا المجال مدعوم ببعض وقائع حصلت على الأرض، أو جرى ترتيبها في أماكن مغلقة وشديدة السرية، قبل أن يتم تنفيذها، عززت الكلام السوري عن الإرهابيين وعملياتهم، وجعلت الموضوع مادة حاضرة في وسائل إعلام عالمية مهمة وعديدة، حيث أخذت تتحدث بصورة متصاعدة عن الإرهابيين وعملياتهم خاصة لجهة التفجيرات التي شهدتها دمشق ومدن أخرى، مما رفع مستوى الربط بين ما يحصل في سوريا والإرهابيين الذين يأتون إلى سوريا من مختلف البلدان، حسب ما تشير وسائل الإعلام، وهذا جعل مسؤولين دوليين وأمميين كبارًا بينهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الدولي - العربي إلى سوريا كوفي أنان ووزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، يشيرون إلى laquo;القاعدةraquo; وأخواتها وإلى الإرهابيين وعملياتهم، عندما يتحدثون عن الوضع في سوريا، وهي إشارات غير حقيقية، ومبالغ فيها على أقل تقدير.
تطورات الأزمة
ويرى سارة أن quot;تطورات الأزمة ومسار الحل الأمني العسكري الذي اختارته السلطات السورية في تعاملها مع المحتجين والمتظاهرين وحواضنهم الاجتماعية في المدن والقرى، خلقت توجهات نحو مقاومة مسلحة للنظام في أوساط مختلفة، كان الأبرز فيها عسكريين انشقوا من داخل المؤسسة الأمنية العسكرية للنظام، ونظموا أنفسهم في عداد ما بات معروفًا باسم الجيش السوري الحر وقد انضم إليهم متطوعون ومدنيون أو عملوا إلى جانبهم عبر تشكيلات مستقلة، تشاركت في مواجهات مع القوات النظامية من عناصر الجيش والأمن والمنضمين لهم من الشبيحة في بعض الحالاتquot;.
تضخيم دور الجهاديين
وتشير تقارير إعلامية إلى عبور لبنانيين وأردنيين وليبيين وكويتيين باتجاه سوريا، ونشرت أخبار عن سقوط بعضهم في معارك ومواجهات مع القوات السورية في حمص وسط البلاد. واستخدمت تلك التقارير وما يتم تداوله من معلومات حول الجهاديين القادمين إلى سوريا في تضخيم دور ووزن هؤلاء، وخاصة لجهة تحميلهم مسؤولية التفجيرات التي حدثت في بعض المدن السورية، وللدلالة على تصاعد التطرف الديني ونفوذ الجماعات المسلحة، وللتحذير من احتمالات أفغنة الأوضاع في سوريا، وتعميمها باتجاه المحيط الإقليمي.
ويدعو سارة الى quot; عدم المبالغة بعدد ووزن الجهاديين من أفراد وتنظيمات عبرت إلى سوريا، والأمر في هذا يتصل بعوامل من بينها، أن أبرز الجماعات الجهادية ما زالت تبتعد عن إعلان انخراطها في الجهاد السوري، ليس فقط بسبب أنها وأغلب عناصرها مكشوفة للأجهزة السورية عبر سنوات طويلة من الرصد والتعاون، وإنما بسبب أن الفضاء السوري، لا يشكل حاضنة مناسبة على نحو ما كان عليه الوضع في البلدان الأخرى، وبسبب أن لدى السوريين محاذير في التعامل مع التطرف الديني والجماعات الدينية المسلحة، وهم بعيدون عنهما بصورة عامة، لكن ما سبق كله لا يمنع من قول إن بعض الجهاديين تغلبوا ويمكن أن يتغلبوا على العوامل السابقة، ويدقوا أسافين لوجودهم في سوريا، لكنهم في كل الأحوال وفي المدى المنظور، لن يشكلوا قوة ظاهرة، ولن يكون لهم حضور ملموس في الحياة السورية وفي تحديد مستقبل البلاد.