حسن عبدالله جوهر
لم تتكبد الحكومات المتلاحقة عناء تطوير مؤسسات الدولة أو إطلاق مشاريع حقيقية ومستدامة للتنمية، واكتفت فقط بنظام الصرف المالي لكسب الولاء السياسي، وعجزت القوى الوطنية والتنظيمات السياسية عن مأسسة الديمقراطية وتطوير المؤسسات السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية لكي تنشغل في صراعاتها البينية، وتتناوب في التحالف مع الحكومة من أجل مكاسب خاصة وفئوية.
هل المطالبة بالإمارة الدستورية خط أحمر؟ وهل الدعوة إلى حكومة برلمانية منتخبة من المحرمات؟ وهل رفع شعار الأمة مصدر السلطات هو بمنزلة انقلاب على السلطة؟ هذه عناوين بلا شك كبيرة وفي غاية الحساسية، بل يزيد الوضع السياسي المتشنج والمرتبك درجة سخونتها والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً، ولذلك لم يعد تجاهل التعاطي معها بشفافية وصراحة أو مجرد دغدغة سطحها الخارجي بسذاجة، في كثير من الأحيان متعمدة، أو اختزالها في تهمة الأجندات الخاصة أو الخارجية، إلا هروباً من الواقع. ومثل هذه العناوين مهما اختلفنا في بواعثها ونواياها هي نتاج طبيعي للحراك السياسي في الكويت منذ مطلع القرن الماضي، بل قد تكون هي ذاتها ما طرح في النصف الثاني من عقد الثلاثينيات أي قبل 70 سنة، ومحصلة لتراكمات الحالة السياسية الجامدة منذ العمل بدستور 1962، ومع فارق مهم وهو تفاقم الاستقطاب الطبقي والمذهبي، كان الصراع بين المجلس والحكومة سمة مستمرة في العلاقة بين السلطتين، بل كانت الأسباب المعلنة لهذا الصراع دائماً تنحصر في قضيتين لا غير: هما المزيد من المكتسبات الشعبية والدستورية، ومحاربة الفساد، لاسيّما النهب من الأموال العامة. ولم تتكبد الحكومات المتلاحقة عناء تطوير مؤسسات الدولة أو إطلاق مشاريع حقيقية ومستدامة للتنمية، واكتفت فقط بنظام الصرف المالي لكسب الولاء السياسي، وعجزت القوى الوطنية والتنظيمات السياسية عن مأسسة الديمقراطية وتطوير المؤسسات السياسية بما في ذلك الأحزاب السياسية لكي تنشغل في صراعاتها البينية، وتتناوب في التحالف مع الحكومة من أجل مكاسب خاصة وفئوية. وطوال هذا العهد السياسي برتابته تعاقبت أجيال، وبدأ كل جيل يستشعر النتائج السيئة، وخاصة لصور البيروقراطية الفاسدة، وتردي الخدمات والتخلف في مستوى التنمية أكثر فأكثر، ووصلت الأمور إلى أوج انفجارها تزامناً مع رياح الربيع العربي الممتد من الخليج إلى المحيط أيضا بشعارين هما: الحريات ومحاربة الفساد، في وقت بلغت أشكال الفساد المحلي ذروتها بسقوط البرلمان نفسه في وحل تهم الرشوة وبرعاية حكومية منظمة، وكانت السابقة الأولى والتاريخية أن يكون قرار إسقاط الحكومة والمجلس معاً بضغط شعبي متدرج ومتصاعد إلى أن تحقق. وكانت الصدمة التالية هي حكم المحكمة الدستورية ببطلان وشطب كل ما حملته الشهور الأخيرة بعد حل مجلس 2009، الأمر الذي حرك المياه السياسية من جديد، وبقوة كبيرة وبمطالبات جديدة عالية السقف مثل الحكومة البرلمانية والإمارة الدستورية. نعم من الواضح أن المجتمع المنقسم أصلاً يقف اليوم على طرفي نقيض حاد من هذه المطالب، وبروز شعارات مثل حق يراد به باطل، أو إن من يرفع هذا الشعار لا يحظى بالثقة المطلقة بين عموم الكويتيين، إلا أن هذا هو واقعنا الجديد الذي ينبغي أن نشخصه ونتعامل معه بروح عالية من المسؤولية وحتمية عند مفترق الطرق الذي نقف عنده الآن.
- آخر تحديث :
التعليقات