التطرف الديني المعلن في كره الآخر لم يعد مسألة دينية بحتة تخص علاقة المتدين بربه، يجب مراعاتها كخصوصية عقدية؛ ولكنها الآن أصبحت تمثل خطرًا على لحمة المجتمع وأمنه، وتجعله نهبا لتخريب كل مجرم ومشوه ومعتوه في الداخل أو متربص مغرض أشر من الخارج.
إيلاف: يعتقد الكاتب عبدالرحمن الوابلي بعدم وجود ( تطرف ) شيعي في منطقتي المدينة المنورة ونجران في المملكة العربية السعودية بسبب عدم وجود فراغ مرجعي للشيعة في هاتين المنطقتين ، لكن منطقة القطيف حيث يوجد شيعة عانت من فراغ مرجعي ديني مؤسساتي رسمي، رغم وجود علماء دين أكفاء وحكماء ووطنيين راشدين معروفين في المحافظة، ينتظرون جمعهم داخل مؤسسة رسمية، ليشكلوا مرجعية دينية جعفرية وسطية موثوقاً بها لأهل المحافظة وضواحيها.
وعلى صعيد المشهد الشيعي في البحرين، ترى الكاتبة نجاة المضحكي أن هناك عملية (غسيل مخ) تستخدمها جمعية الوفاق الشيعية في البحرين حتى يتحرر أتباعها من شعور الهيبة والاحترام والانتماء إلى قيادة الدولة، لذلك نشاهد تكرار الوفاق في مخاطبتها لجماهيرها لعملية غسيل مخ هي ذاتها التي قام عليها حزب الله اللبناني حين أفرغ هيبة الدولة عندما تطاول على الجيش اللبناني إلى أن غيّر تركيبته، وهذا ما كشف عنه نفس البيان الذي طالبت فيه الوفاق تغيير عقيدة وتركيبة المؤسسة الأمنية البحرينية في قولها (وهذا ما يحتم تغيير عقيدتها وتركيبتها والإشراف عليها وسبل محاسبتهاrdquo;، فما المعنىتغيير عقيدتها أي تبعيتها وولائها، حين تتغيّر التركيبة حتى الإشراف عليها). هذان المقالان يحللان موقفين في كل من السعودية والبحرين حول التطرف الطائفي .
عبدالرحمن الوابلي : محاصرة التطرف الطائفي السعودي
المسألة هنا، ليست مسألة مذهبية، بل هي أكبر وأدهى من ذلك؛ إنها مسألة أمن وطن وحماية مواطنين، فالمواطن الواحد يستحق التضحية بسببه وبذل كل غال ونفيس من أجله، فما بالنا بجزء كبير وعزيز وغال من وطننا الحبيب.
التطرف آفة تصيب كل الأديان والمذاهب الدينية وحتى المذاهب السياسية والفكرية الوضعية، والكل يشكو منها داخل كل دين ومذهب، والتطرف أول ما يؤذي؛ يؤذي الدين أو المذهب أو الحزب أو التيار السياسي أو الفكري الذي ينتمي إليه، قبل غيره. والمتطرفون في كل دين ومذهب، تحسبهم يحاربون بعضاً؛ ولكنهم في الحقيقة، يعتاشون على وجود بعض، ويزايدون على بعض في بورصة التطرف والطائفية والتشدد، لترتفع أسهمهم في محيط وجودهم الظلامي الجاهل. أي إذا لم يجد المتشدد متشددًا موازيًا له في المذهب المقابل، يزور كلامًا ومقولات على لسان أشخاص منه وينشرها ويرددها ليقتات عليها، ويمنح وجوده مبررًا ولو بالكذب والتزوير على أتباعه.
التطرف الديني المعلن في كره الآخر لم يعد مسألة دينية بحتة تخص علاقة المتدين بربه، يجب مراعاتها كخصوصية عقدية؛ ولكنها الآن أصبحت تمثل خطرًا على لحمة المجتمع وأمنه، وتجعله نهبا لتخريب كل مجرم ومشوه ومعتوه في الداخل أو متربص مغرض أشر من الخارج. إذن، فمسألة التطرف الديني أو المذهبي، تتجاوز كونها مسألة دينية بحتة، لتصبح مسألة عبث غير مسؤول بأمن الوطن؛ تحتم التعامل معها بشكل سريع وفعال، لحماية أمن الوطن وتأمين مواطنيه.
لكل ظاهرة اجتماعية أسبابها الظاهرة والخفية؛ والتطرف بصفته ظاهرة اجتماعية مؤذية للمجتمع وخطيرة عليه، بما تفرزه من طائفية نتنة، تهدد لحمته واستقراره؛ لها أسبابها الظاهرة والخفية. أسباب ظاهرة التطرف الظاهرية معروفة والكل تحدث عنها وبإسهاب؛ ولكن التحدي هو في رصد أسبابها الخفية. وأنا أرى أن غياب وجود المرجعية المسؤولة والموثوق بها هو السبب الخفي الرئيس في وجود ظاهرة التطرف ونموها؛ أي أن الفراغ المرجعي الديني والاجتماعي يغوي ويغري ويشجع المتطرفين على ملئه وقيادة المجتمع دينياً واجتماعياً وفي بعض الحالات حتى اقتصادياً. أي أن المسألة أشبه ما تكون بالمسألة الفيزيائية، إذا تم تفريغ الذرات الصلبة والصلدة والفاعلة من مكان ما، فسيحل مكانها أوتوماتيكياً ذرات أقل منها شأناً وقيمة قد تلوث المكان وتسممه؛ إن لم نقل تفجره.
قبل دخولي لموضوعي، مسألة محاصرة التطرف الشيعي السعودي، خاصة في محافظة القطيف وضواحيها؛ سأعرج على مسألة الشيعة السعوديين في منطقتي المدينة المنورة ونجران. فنحن قل أن نسمع عن تطرف شيعي أو قلاقل في هاتين المنطقتين، والسبب يبدو لي واضحًا، من حيث عدم وجود فراغ مرجعي للشيعة في هاتين المنطقتين، ولو كانت المرجعية الموجودة لديهم هناك، هي مرجعية اجتماعية، أكثر من كونها مرجعية دينية ولكنها حتى الآن أدت الغرض المرجو منها وهو الاستقرار. حيث إن شيعة منطقة نجران ينتمون اجتماعياً لقبيلة يام وشيعة منطقة المدينة المنورة ينتمون لقبيلة حرب؛ وكلتا القبيلتين تضمان داخلهما سنة وشيعة تجمع بينهم أواصر الدم والقرابة وتحكمهم قيم وأعراف القبيلة داخل هياكلها المتعارف عليها، بلا تفريق بينهم، بسبب المذهب الديني. أي أن هياكل وتنظيمات وقيم القبيلة في هاتين المنطقتين قد ملأت الفراغ المرجعي للشيعة وحرسته؛ مما أحدث نوعًا من الاستقرار والتوازن هناك.
أما في محافظة القطيف وضواحيها والمعروفة بكونها منطقة حضرية، كانت تعتمد في اقتصادها على الزراعة وصيد الأسماك واللؤلؤ والتجارة واعتمدت في تنظيم نفسها على نمط البلدات الحضرية في باقي بلدات المملكة، قبل توحيد المملكة، بواسطة الأمير والشيخ والتاجر المحليين. وبسبب العزلة عن محيطها القريب والبعيد وبدائية وبساطة الحياة، كانت المحافظة تدير شؤونها الحياتية ومنها الدينية بدون منغصات تذكر؛ مثلها في ذلك مثل باقي بلدات المملكة. بعد توحيد المملكة وظهور النفط وسير عجلة التنمية المتسارعة في كافة بلدات المملكة، تحولت البلدات لمدن كبيرة والقرى لبلدات أكبر، وتعقدت وتشعبت فيها أمور الحياة وتفرعاتها.
وهنا أصبحت لكل مدن وبلدات وقرى وبوادي المملكة مرجعية سياسية موحدة، متمثلة بالحكومة السعودية، ومرجعية دينية سنية متمثلة في مفتي المملكة وهيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومعاهد وكليات وجامعات علمية دينية ومرجعيات اجتماعية قبلية وعائلية. محافظة القطيف وضواحيها أصبحت لديها مرجعية سياسية متمثلة بالحكومة السعودية، كباقي محافظات ومدن ومناطق المملكة؛ ولكنها وحدها عانت من فراغ مرجعي ديني مؤسساتي رسمي، رغم وجود علماء دين أكفاء وحكماء ووطنيين راشدين معروفين في المحافظة؛ ينتظرون جمعهم داخل مؤسسة رسمية، ليشكلوا مرجعية دينية جعفرية وسطية موثوقاً بها لأهل المحافظة وضواحيها.
كما أن ارتباط محافظة القطيف وضواحيها بأصولهم القبلية قد تلاشى من قديم، كونها منطقة حضرية منذ القدم، حرمتها من مرجعيات اجتماعية قبلية، رغم وجود مرجعيات اجتماعية عائلية ولكن كبر المحافظة وكثرة عدد سكانها قد خفف من أهمية دور المرجعيات العائلية التقليدية بالمحافظة وضواحيها.
من الممكن خلق مرجعيات اجتماعية رشيدة جديدة في محافظة القطيف وضواحيها، من خلال إيجاد مؤسسات مجتمع مدني قوية وفاعلة، تفرز بدورها قيادات اجتماعية فاعلة ووسطية، تحب الخير لأهل المحافظة وتسعى إليه. كما أن إعطاء المجالس البلدية صلاحيات أكثر وجعلها فاعلة في تلبية حاجيات المواطنين، يخلق من أعضاء المجالس البلدية المنتخبين مرجعيات اجتماعية صالحة وموثوقاً فيها لقيادة المجتمع، لما فيه خير ونماء المحافظة وضواحيها.
محافظة القطيف وضواحيها، كما أراها، تعاني من فراغ مرجعي ديني واجتماعي، وإذا لم يتم ملء هذين الفراغين رسمياً بشخصيات معروفة برشدها وصلاحها وعقلانيتها ووسطيتها ووطنيتها، فسيتم ملؤهما بشخصيات متطرفة، يحار فيها العقلاء هناك، قبل أن نقول يخافون على أنفسهم منها، قبل أن نخاف نحن منها. خاصة كون المراجع الدينية للمذهب الجعفري جاهزة خارج المملكة، لملء هذا الفراغ، إن لم نقل قد بدأت بملئه. والأدهى من ذلك، كون بعض المراجع الجعفرية خارج المملكة قد قرنت المرجعية الدينية بالمرجعية السياسية والاجتماعية؛ وهذا قد يصبح تفريطًا منا بالمحافظة على ولاء جزء كبير وغال علينا من مواطنينا الأعزاء، الذين لم نرَ منهم طوال تاريخ المملكة الطويل إلا كل خير ووفاء ووطنية وإخلاص وعطاء.
قبل أيام وقع الشيخ المتطرف نمر النمر بالفخ، جراء شر أعماله وأقواله؛ والخوف هنا بأن يكون قد ترك خلفه متطرفين مثله، بسبب وجود الفراغ المرجعي الديني المؤسسي الوسطي الرسمي، لدى أهلنا في محافظة القطيف وضواحيها، وهذا ما سيكلف الغالي والنفيس شيعتنا قبل سنتنا.
المسألة هنا، ليست مسألة مذهبية نتحسس منها، بل هي أكبر وأدهى من ذلك؛ إنها مسألة أمن وطن وحماية مواطنين، فالمواطن الواحد منا يستحق التضحية بسببه وبذل كل غال ونفيس من أجله، فما بالنا بجزء كبير وعزيز وغال من وطننا الحبيب.
(الوطن السعودية )
نجاة المضحكي: لماذا السكوت عن تطاول الوفاق على المؤسسة العسكرية والأمنية؟
إن تطاول الوفاق على المؤسسة العسكرية الأمنية هدفه إسقاط هيبة الدولة في عيون الشعب، وما التعدي اليومي بدءاً من تمزيق بدلة رجل الأمن حتى دهسه وقتله ما هو إلا محاولة نزع احترام هيبة الدولة، وهاهو البيان الذي نشرته الوفاق تحت عنوان: ldquo;لا مهرب من الاستحقاقات السياسية ومحاولات الالتفاف على المطالب ستفشلrdquo;، حيث قالت فيه: ldquo;المنظومة الأمنية في البحرين اليوم أصبحت فاقدة المصداقية للدرجة التي تجعلها غير محل تصديق من أحد حتى لو كانت الوقائع حقيقية، وهو ما يفرغ الحماية الأمنية من مضمونها ويجعل الشكوك قائمة حول كل ادعاءاتها وهذا ما يحتم تغيير عقيدتها وتركيبتها والإشراف عليها وسبل محاسبتهاrdquo;، وهذا أمر لم تقله الوفاق من فراغ، فمن بعد تطاولها على هيبة المؤسسة العسكرية ومرور هذا التطاول بسلام وبدون محاسبة ولا ملام، فإنها بالطبع تتطاول اليوم وبشدة أجرأ على المؤسسة الأمنية التي تحاول كل يوم بنزع هيبة رجل الأمن من عيون المواطنين، وذلك حين يشاهد المواطنون تسجيلات فيها تحترق مركبات الأمن ومن دهس رجالها وتمزيق بدلة الضابط. إنها عملية مقصودة تستخدمها الوفاق حتى يتحرر أتباعها من شعور الهيبة والاحترام والانتماء إلى قيادة الدولة، لذلك نشاهد تكرار الوفاق في مخاطبتها لجماهيرها بشعبنا، وهو ما كررته في نفس التقرير، إنها العملية التي تسمى ldquo;غسيل المخrdquo;، وهي نفس العملية التي قام عليها حزب الله اللبناني حين أفرغ هيبة الدولة عندما تطاول على الجيش اللبناني إلى أن غيّر تركيبته، وهذا ما كشف عنه نفس البيان الذي طالبت فيه الوفاق تغيير عقيدة وتركيبة المؤسسة الأمنية البحرينية في قولها ldquo;وهذا ما يحتم تغيير عقيدتها وتركيبتها والإشراف عليها وسبل محاسبتهاrdquo;، فما المعنى تغيير عقيدتها أي تبعيتها وولائها، حين تتغيّر التركيبة حتى الإشراف عليها. ولم يتوقف التطاول على المؤسسة العسكرية والأمنية بل طال حتى السلطة الحاكمة حين ذكر هذا البيان ldquo;أن وعي شعبنا وحضاريته أثبتا وسيثبتان للقاصي والداني أن هذه السلطة لا تستحق هذا الشعبrdquo;، مما يثبت أن لا فائدة ولا طائلة مهما تسامحت الدولة ومهما خففت من أحكام ورصدت من مكافآت وتعويضات مجزية، ومهما طرحت من مبادرات وأرسلت من وساطات، تبقى السلطة غير مرغوبة بالنسبة لأصحاب المؤامرة الانقلابية، وهو ما يترجم أن الوفاق مازالت ترفع شعار ldquo;إسقاط النظامrdquo;، وإن تلونت الحروف ولكنها تؤدي إلى نفس النتيجة، حين يكون لا فرق بين laquo;السلطة لا تستحق هذا الشعبraquo;، وبين laquo;الشعب يريد إسقاط النظام.
(الوطن البحرينية)
التعليقات