محمد مجاهد الزيات

قامت هيلاري كلينتون بزيارة للقاهرة استهدفت دعم العلاقات الأمريكية ـ المصريةrlm;,,rlm;


إلا أنها أثارت الكثير من الجدل حول طبيعة الأهداف الحقيقية للزيارة وتوقيتها. وما إذا كانت قد نجحت في دعم هذه العلاقات أم ستؤدي إلي تراجع في المستقبل؟
لا شك أن تقييم أبعاد هذه الزيارة يمكن أن يتضح في ضوء مجموعة من الملاحظات, أهمها أن الولايات المتحدة لم تدرك بعد حقيقة التغير الذي شهده النظام السياسي في مصر, بعد ثورة25 يناير, وبصفة خاصة دور الرأي العام في عملية صنع القرار السياسي. كما أنها لاتزال تربط مسار العلاقات بين القاهرة وواشنطن بمثلث العلاقات المصرية ـ الإسرائيلية الأمريكية. ولعل تصريحات هيلاري التي سبقت وصولها إلي مصر وحديثها عن سعيها للتقريب بين وجهات النظر الإسرائيلية ـ المصرية, كذلك حديث المتحدث باسم الخارجية الأمريكية في أعقاب الزيارة حول حرص الوزيرة الأمريكية علي مناقشة التزام مصر بمعاهدة السلام مع إسرائيل دليل واضح علي ذلك.
من الواضح أن الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة, والتي تركز علي هدفين رئيسيين هما: ضمان أمن إسرائيل وأمن الطاقة, والتي تمثل الإطار الأساسي لحركتها السياسية قد انعكست بصورة واضحة علي تعاملها مع التطورات السياسية في مصر والمنطقة, فلا يعني واشنطن من يحكم مصر, ولكن هل ستتأثر المصالح الأمريكية وعناصر استراتيجيتها بالدرجة الأولي أم لا؟, ومن هنا جاء الرضا الأمريكي بالتطور السياسي الجاري في مصر بصورة أساسية, وإن عللت ذلك باحترامها للمعايير الديمقراطية.
كشفت تصريحات الوزيرة الأمريكية عن مواصلة التدخل الأمريكي في الشئون المصرية, كان ذلك واضحا عقب اجتماعها مع المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وتأكيدها أن يعود الجيش لثكناته لحماية الأمن الوطني في تدخل سافر وغير مسبوق, وزاد الأمر عندما حاولت السفارة الأمريكية عند اجتماع للوزيرة مع شخصيات وقوي سياسية مسيحية تحت دعوي مناقشة أوضاع الأقباط في مصر. وهو ما رفضه كثير من الشخصيات المصرية القبطية, واعتبرته نوعا من النفاق السياسي في محاولة موازنة الموقف الأمريكي من القوي السياسية المصرية, والإيحاء باستمرار الالتزام الأمريكي بحقوق الأقليات, وجاء موقف هذه الشخصيات المصرية ليؤكد للوزيرة أنه لا توجد أقليات في مصر, ولا تحتاج إلي مساندة خارجية, وهو تغيير جديد في الحياة السياسية المصرية تحتاج وزارة الخارجية الأمريكية لإدراكه.
لا شك أن موقف العديد من القوي الليبرالية والسياسية المصرية المختلفة الذي عبر عن نوع من عدم الرضا عن السياسة الأمريكية تجاه التطورات السياسية المصرية, كان سببا في إلغاء الخطاب الذي كان مقررا للوزيرة الأمريكية في مكتبة الإسكندرية, وعبر عن القلق الذي تستشعره تلك القوي من السياسة والمواقف الأمريكية بصفة عامة, ولدي هذه القوي علامات استفهام حول طبيعة التفاهمات الأمريكية مع القوي السياسية الجديدة في مصر خاصة, وأن هذه هي الزيارة الثانية للوزيرة الأمريكية لمصر خلال عام, وسبقها عدة زيارات لشخصيات أمريكية لها وزنها في عملية صنع القرار في واشنطن, والتقت مع ممثلين لتلك القوي. الأمر الذي يكشف عن نوع من التغيير في النظرة الأمريكية لقوي الإسلام السياسي التي حصلت علي شرعية من خلال الانتخابات التي جرت في مصر وبعض دول المنطقة.
في تقدير الكثير من المراقبين أن الفترة القادمة سوف تشهد نوعا من تغيير مواقف الكثير من القوي السياسية المصرية, التي كانت واشنطن تحرص علي كسب ثقتها والتواصل معها. وهو ما يمكن أن يمثل عامل ضغط وتأثير لتحرير القرار السياسي المصري للتعامل مع الولايات المتحدة بقدر الإمكان, ولتدرك واشنطن أن مساعداتها خاصة العسكرية لن توفر لها- كما كان قائما- عناصر للضغط علي المؤسسة العسكرية, بل إنه من المؤكد أن واشنطن لا تمتلك ترف قطع هذه المساعدات بل ستكون حريصة علي استمرارها لاستمرار التواصل والتأثير مع هذه المؤسسة.
بغض النظر عن أي ملاحظات حول الزيارة, فإنه من الواضح أن العلاقات بين القاهرة وواشنطن سوف تشهد نوعا من التغيير, حيث لاتزال مؤسسات صنع القرار في السياسة الخارجة المصرية في مرحلة عدم استقرار, كما لاتزال وجهات النظر فيما بينها بخصوص تلك العلاقات تشهد نوعا من التباين والاختلاف. كما أن بعض القوي السياسية المصرية لاتزال تتعامل مع الولايات المتحدة كحليف في إطار الصراع علي السلطة. وهو ما يؤدي إلي نوع من الالتباس في بعض جوانب العلاقات المصرية الأمريكية. ومن الضروري تأكيد أن العلاقات مع الولايات المتحدة تحتاج إلي مزيد من النقاش والحوار بين جميع مؤسسات الدولة والقوي والأحزاب مع تباين وجهات نظرها بهذا الخصوص. فهذا التباين والتنوع يعتبر عامل قوة يحقق المصلحة المصرية في النهاية, ويرتكز علي الحوار والتواصل مع كل دوائر صنع القرار في واشنطن لصياغة إطار للعلاقات الثنائية يرتكز بصورة أساسية علي زيادة مساحة المصالح الاستراتيجية بين البلدين ويتجاوز بعض التوجهات والممارسات السياسية الأمريكية وبما يستوعب أي مساحات خلاف وعدم تصعيدها لتصبح توترات.
من المرجح, أن تحرص واشنطن علي التجاوب مع أي توجه مصري بهذا الخصوص, وأن هناك ضرورة مشتركة لتحصين هذه العلاقات في هذا التوقيت, خاصة في ظل التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والتحركات لإعادة رسم خريطة التوازنات الإقليمية ومحاولة صياغة نظام إقليمي جديد, والحديث الجاري الآن عما يمكن أن تصبح عليه منطقة الشرق الأوسط, إذا ما سقط النظام السوري, وسقط معه التحالف السوري الإيراني مع حزب الله, وتصاعد مخاطر الأمن في الخليج والجزيرة العربية, وملامح التحسن الاستراتيجي في العلاقات المصرية ـ الإيرانية, وهي موضوعات تقتضي حوارا استراتيجيا يؤكد فيه كل طرف مصالحه, مع توسيع لهامش التعاون الثنائي الذي يأتي علي حساب هذه المصالح.