احمد عز العرب

نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في 10 يوليو مقالا للكاتبة سارة خورشيد تحت عنوان: laquo;هذا هو الاختبار الأول للرئيس المصري المنتخب حديثا. فإذا لم يتحد السلطة العسكرية فلن يعتبر ثائرا حقيقياraquo;.

فقرار الرئيس محمد مرسي بإعادة انعقاد مجلس النواب، بالتحدي لقرار الجنرالات بحل المجلس، يضع في المقدمة مرة أخري موضوعا ظل محل صراع منذ اندلاع الثورة وهو: الشرعية وحكم القانون في مقابل الشرعية الثورية.
فعلي أساس الشرعية الثورية أصر ثوار 25 يناير علي عزل الرئيس حسني مبارك. وذلك رغم تحذير معاونيه بأن هذا العزل يخالف الدستور ويخلق فراغاً سياسياً.. وفي بلد ينادي بأن الثورة مستمرة حتي تحقق أهدافها - كما أعلن مرسي في أول حديث له بعد انتخابه رئيسا - فإن الشرعية الثورية تحل محل القوانين الراسخة والمؤسسات القانونية.
وكان من الممكن تبرير قرار الرئيس مرسي بإعادة البرلمان إذا كانت الشرعية الثورية هي إطار مرجعيته الواضح. ولكن المشكلة مع الإخوان المسلمين في قراراتهم هي أنهم انتقائيون يقفزون بين الشرعية الثورية والشرعية الدستورية طوال السنة ونصف منذ اندلاع الثورة. فيتوقف اختيارهم بين الشرعيتين بوضوح علي أي من الشرعيتين توصلهم إلي السلطة. فكثيرا ما يعارض الإخوان المسلمون التظاهرات والاعتصامات التي تنظمها قوي ثورية أخري علي أساس أنها مخالفة للدستور قائلين إن البلد عليه أن ينتقل من الثورية إلي الاستقرار. ومن الشرعية الثورية إلي الشرعية القانونية الدستورية. وبهذا التذبذب فقد الإخوان المسلمون الكثير من مصداقيتهم. وسبب هذا الوضع في مزيد من الفوضي التشريعية وعدم اليقين الذي بدأ laquo;بخارطة طريق انتقاليةraquo; وضعها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ودعا لها، وأيدها الإخوان المسلمون.
وكانت خارطة الطريق هذه تتضمن أن يتم انتخاب البرلمان ورئيس الجمهورية أولا. وبعد ذلك يوضع دستور جديد يحدد العلاقة بين السلطتين وكيفية توزيع السلطة بينهما. وعندما وضعت خارطة الطريق هذه هاجم الإخوان المسلمون بعنف من طالبوا بوضع الدستور أولا. علي أساس أن الاستفتاء الشعبي الذي تم اعتمد المواد العشر التي تم عليها الاستفتاء والتي حددت خارطة الطريق علي أساسها. وبعد ذلك وضع المجلس العسكري ثلاثا وخمسين مادة دستورية إضافية وفرضها دون إجراء استفتاء عليها ولكن فجأة تتبني الحركة الإسلامية المطالبة بأن يكون وضع الدستور أولابعد أن ظلت تعارض ذلك لفترة طويلة. ويتضمن القرار الجمهوري الذي أصدره مرسي أن الانتخابات البرلمانية الجديدة يجري إجراؤها بعد أن يوافق الشعب في استفتاء علي دستور يجري إعداده حاليا عن طريق لجنة دستورية يسيطر عليها الإخوان المسلمون ويقول بعض المعلقين المؤيدين لمرسي إن قضاة المحكمة العليا هم قضاة عينهم مبارك. ولذلك فهم متحيزون للرئيس المخلوع ولنظامه. وهذا صحيح. فأحكام المحكمة تفتقر للمصداقية. ويتوقع أن تكون مفصلة لخدمة مصالح القوي السابقة علي الثورة. ومصالح من عينهم مبارك من أعضاء المجلس العسكري.
ومن الصعب أن نصدق من يدعون الليبرالية من النخبة المصرية التي تزعم أنها تعارض مرسي في قراراته لأن هذه النخبة تحترم المحكمة العليا وحكم القانون. فالكثير من هؤلاء الليبراليين يهاجمون الإخوان المسلمين بصفة مستمرة باسم الديمقراطية والليبرالية. ومع ذلك يفضلون حكم الجنرالات علي حكم السياسيين المدنيين المنتخبين. فهم يؤيدون القيادة العسكرية ويوافقون علي ان تكون لديها حصانة ضد المساءلة من السلطة المدنية. وهذا هو التناقض الصارخ مع الديمقراطية ومع قواعد الليبرالية.
ورغم أن كلا من الإخوان المسلمين والليبراليون يفتقدون المصداقية في مواقفهم، فليس من العدل أن يتهم مؤيدو مرسي كل من لا يوافق علي مناورات الرئيس السياسية مؤخرا بأنه معاد للثورة ومؤيد للمجلس العسكري.
يبدو مرسي بطلا في نظر البعض. فهو يتحدي الإعلان الدستوري الذي أصدره الجنرالات الشهر الماضي، والذي يمنح مجلسهم العسكري السلطة التشريعية. ولكن الإعلان الدستوري أيضا يجعل من القوات المسلحة دولة داخل الدولة. فهو يمنح المجلس العسكري وحده حق تقرير كل ما يتعلق بالقوات المسلحة بما في ذلك ميزانيتها. وحتي الآن لم يتعرض مرسي لهذا الجزء من الإعلان الدستوري.
وبالنسبة للوقت الحاضر نظن أن علي المصريين أن يمنحوا مرسي فرصة إثبات قدرته. علي الأقل حتي نهاية فترة المائة يوم الأولي التي حددها في حملته الانتخابية للرئاسة. فإذا استطاع مواجهة المجلس العسكري والوقوف بقوة وراء أهداف الثورة وضمنها الأهداف التي لا علاقة لها بمحاولات الإخوان المسلمين الاستحواذ علي كل السلطة وإذا ساند مرسي الحكم المدني الديمقراطي والإشراف المدني علي السلطة العسكرية. عندئذ فقط يمكن اعتبار مرسي ثوريا حقيقيا.
ولكن إذا اكتفي مرسي بمساعدة الإخوان المسلمين في الحصول علي مزيد من السلطة - فلديهم الآن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والنفوذ الأقوي في لجنة وضع الدستور- كنظرتهم لحزب مبارك الوطني الديمقراطي السابق ذي السمعة المهينة.
وإلي هنا ينتهي عرض الكاتبة للموقف بعد انتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسا للجمهورية. وما تراه من احتمالات الصراع السياسي وربما المسلح - لا قدر الله - طبقا لنوع الحكم الذي سينفذه مرسي في مصر. وإذا ألقينا من جانبنا نظرة شاملة علي الظروف التي يحكم فيها نجد أن الرجل يسير علي طريق شديد الوعورة لما يلي:
- لا يمكنه التخلص من نفوذ جماعة الإخوان المسلمين ومكتب إرشادها - فهي قاعدته الجماهيرية التي حشدت له الأصوات التي أوصلته للرئاسة.
- ولا يمكن في نفس الوقت التراجع عن تعهده بأن يكون رئيسا لكل المصريين وأن يحكم حكما مدنيا توافقيا من خلال حكومة ائتلافية أو حكومة وحدة وطنية. فما لم يكن هناك برنامج قومي متفق علي خطوطه العريضة علي الأقل. فلن يمكن تشكيل حكومة ائتلافية.
- ولا يمكن له أيضا تشكيل حكومة من الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحده حتي لا يفتح علي نفسه جحيم الاتهام بمزيد من الأكاذيب والنكوص عن الوعود. كل ذلك في الوقت الذي تتربص به الثورة المضادة بكل شراستها وقد كشرت عن أنياب الشر صراحة ولم تعد تكترث بمسئوليتها عن الانفلات الأمني والاختلاق المتعمد للتظاهرات المشبوهة والمطالب الطائفية التي لم يحن وقتها.
- كل ذاك لا يعني أننا مقبلون علي كارثة. فقوي الثورة الحقيقية وخاصة شبابها الذي يقبع الآلاف منه للآن في السجون العسكرية مازالت علي وعي تام بما يدور. وعلي استعداد لمزيد من بذل الدماء عند الضرورة.
- إن كان لنا في النهاية أن نقترح مخرجا نراه، فإننا نري أن يقوم الرئيس بتشكيل حكومة كلها من التكنوقراط من شخصيات عالية الكفاءة والوطنية من غير المنتمين لأي حزب أو تيار سياسي تعبر بمصر أزمتها وتضع لها طريق الاستقرار الأمني والاقتصادي.
- ومهما كانت أخطاء المجلس العسكري الماضية- سواء بحسن أو سوء نية فإننا نثق أن أعضاءه رجال نبتوا في أرض مصر ويعلمون جيداً أن الجميع من مدنيين وعسكريين في مركب واحد. وأنه إذا خرق أحد قاع المركب فسيغرق الجميع لا قدر الله.