عبدالله ناصر العتيبي

يبدو أن نائب الرئيس السوري فاروق الشرع يعيش تحت مظلة سر كبير منذ فترة طويلة، ويبدو كذلك أنه لا يستطيع الاتصال بالإعلام المحلي والعالمي بصفته الشخصية، وكلما أراد النظام السوري تمرير رسالة على لسانه، تنفي اغتياله أو انشقاقه، أوعز لعبدالسلام حجاب مدير الدائرة الصحافية في مكتبه للحديث نيابة عنه.

ثلاث مناسبات سابقة تحدث فيها مدير الدائرة الصحافية لمكتبه باسمه، الأولى بعد إشاعة مقتله على يد ماهر الأسد، بسبب وقوف الأول ضد مجزرة الصنمين في آذار (مارس) ٢٠١١، ومطالبته بإعدام كل من تورط فيها من الأجهزة الأمنية، إذ خرج علينا مصدر حكومي ينقل عن مكتب الشرع أنه laquo;حي يرزق ويمارس عمله اليومي في مكتبه ولا صحة للأنباء التي تحدثت عن مقتلهraquo;. والثانية عندما تواترت الأخبار قبل أسبوعين عن انشقاقه وعدد من أفراد عائلته، وأيضاً جاءت رسالة سريعة من مكتبه الى الإعلام السوري المحلي نقلها مباشرة الإعلام العالمي تقول إن نائب الرئيس يقول من laquo;مكتبه!raquo; في دمشق: laquo;أنا لا أخون وطنيraquo;. والثالثة مطلع هذا الأسبوع عندما انتشرت بسرعة أخبار انشقاق جديد للشرع، مدعومة هذه المرة بتأكيد من المتحدث باسم الجيش الحر في الخارج، لكن laquo;مكتبهraquo; عاد من جديد ليؤكد أن الشرع لم يفكر في يوم من الأيام في خيانة وطنه وشعبه، وأنه يمارس عمله الاعتيادي بمكتبه في دمشق.

هذا الغياب الغامض للشرع عن المشهد الإعلامي في سورية لا يمكن أن يخرج عن أربعة احتمالات: الأول انشقاقه بالفعل، لكنه عالق في منطقة (ما) في سورية تحت حماية الجيش الحر، ولم تتهيأ حتى الآن سبل تهريبه إلى أي من الدول المجاورة لسورية، وأعني بالدول المجاورة لسورية تركيا والأردن، إذ أن العراق ولبنان يعدان في الوقت الراهن امتداداً وعمقاً إقليمياً لسلطة بشار الأسد. والثاني وضعه من قبل كتائب بشار تحت الإقامة الجبرية منذ أشهر، خوفاً من انشقاقه للخارج أو انقلابه في الداخل. والثالث مقتله أو اغتياله على يد أحد الصقور في النظام السوري، نتيجة لموقف ما قد يكون شكل خطراً من نوع معين على أركان النظام. أما الاحتمال الرابع (وهو الذي أرجحه ولا أرجحه)، فقد يكون الشرع ما زال يعمل تحت لواء بشار الأسد، لكن بخطوات محسوبة وخطط مرسومة تسمح له بعد سقوط النظام بتبرئة ساحته وتأمين مستقبله والخروج من اللعبة برمتها برأس نظيف! قد يكون الشرع في الوقت الحالي ما زال داعماً لمجازر بشار وسطوته الأمنية الحديدية، لكنه في الوقت نفسه يفكر في المستقبل القريب، وبالتالي فإنه يعمد لإرسال الرسالة بعد الأخرى، مرة عن مقتله ومرة عن انشقاقه ومرة عن وضعه تحت الإقامة الجبرية.

سيظل سر فاروق الشرع عصياً على الحل، على الأقل خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما لم ينشق laquo;مكتبهraquo; الذي طالما تحدث غيابياً باسمه خلال الأشهر القليلة الماضية، ويأتينا بالحقيقة كاملة، سواء أكانت مقتله أم وضعه قيد الإقامة الجبرية أو انشقاقه أو قد يخرج علينا عبدالسلام حجاب في حال انشقاق laquo;المكتبraquo; ويخبرنا عن الألعاب السياسية التي يمارسها السيد الشرع في الوقت الراهن لتبييض مستقبله السياسي!

فاروق الشرع يعرف أن السلطة لا يمكن أن تنتقل اليه على الطريقة اليمنية بسبب توغل النظام في طريق اللاعودة، وخوضه في وحل سياسي واجتماعي لا يمكن الخروج منه، ويعرف كذلك أن انشقاقه في الوقت الراهن سيقضي على مستقبله السياسي كما حدث ولو مبدئياً مع مناف طلاس، فلا بأس إذاً من بعض المناورات التي تظهره بطلاً في النهاية!