محمد كريشان

كل الذين وقفوا مع الثورة السورية منذ انطلاقها قبل عام ونصف باتوا هذه الأيام يشعرون بضيق وكرب شديدين من الأخبار الواردة عن بعض الممارسات التي ترتكبها فئة من المقاتلين ضد النظام أو المحسوبين عليهم أو المتحركين باسمهم. أفظعها جرى مؤخرا ويجري في حلب، منها ما تجاوز الانتقام من شبيحة النظام والموالين له، وهو أمر يمكن فهمه لا تبريره، إلى ما هو أسوأ بكثير ويتمثل في عمليات سلب وسرقة ونهب مخجلة لمدنيين لا حول لهم ولا قوة.
شهادات كثيرة ينقلها ثقاة، لم يصل أغلبها إلى وسائل الإعلام، جعلت أحد رواتها من المطلعين على كثير من التفاصيل الميدانية اليومية في طول البــــــــلاد وعرضها يقول لي بمرارة لا حدود لها، وهو الذي وقف مع الثورة منذ يومها الأول وعارض النظام البعثي لعقود بأن 'لا شيء يحمينا من تلك الممارسات سوى فضحها على رؤوس الأشهاد. هذا الكلام جاء تعقيبا على ما تعرضت الصحافية اللبنانية عليا إبراهيم من هجوم شخصي ظالم لأنها نقلت بعض تجاوزات الثوار رغم أن هذه الصحافية اللبنانية من قناة 'العربية' لم تفعل إلا واجبها المهني في تغطية الأحداث وهي التي قال عنها حازم الأمين في 'الحياة' بأنها 'كانت منحازة في تغطيتها إلى الثورة من موقع تسجيل مرارات الناس هناك، مع إفراد حيز صغير لمراقبة الثورة. وهي بذلك تُقدم خدمة مضاعفة من خلال سعيها أولاً إلى فضح ممارسات النظام، وثانياً إلى حماية الثورة من نفسها'. ويعقب محدثي على كل ذلك فيقول بأنها ' إذا كانت هذه الصحافية تعرف شيئا عما يجري على الأرض فأنا أعرف أشياء تفوق ماتعرفه هي بأضعاف وهذا ما يثقل كاهلي أكثر وأكثر'... لكنه وغيره يخشى للأسف الشديد من أن يجـير ما يقوله لصالح نظام موغل في دم الأبرياء.
الحقيقة أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان كانت هي السباقة في كشف بعض هذه التجاوزات ولكن الأمر لم يأخذ حقه إعلاميا لأن فظاعات النظام كانت أكبر بكثير. منظمة العفو الدولية مثلا لم تغفل هذا الشهر على الإشارة إلى أنه ' في الوقت الذي تستمر فيه قوات الأمن السورية في ارتكاب معظم الجرائم هناك، غير أنه ثمة ارتفاع في وتيرة انتهاكات خطيرة أخرى بما في ذلك جرائم حرب يقوم بارتكابها عناصر جماعات المعارضة المسلحة، بما فيها عناصر الجيش السوري الحر، وخصوصاً في محافظة حلب'.
مع ذلك، الوقت لم يتأخرا كثيرا جدا ليقول أحباء الثورة السورية الذين ساندوها منذ اليوم الأول ضد نظام قمعي استبدادي تدثــّـر بالممانعة وتاجر بالمقاومة ورضي بذل احتلال أرضه لكنه اعتبر مطالبة شعبه بحقوقه تطاولا يستحق العقاب والتنكيل، هؤلاء الذين يقدرون عاليا ما قام به هؤلاء الشجعان قتاليا وإنسانيا في كثير من مناطق البلاد ونريد الآن حمايتهم من أنفسهم ،، على هؤلاء أن يقولوا لثوار سورية الذين لجأوا إلى السلاح اضطرارا بأن السلاح الذي لا رسالة له ولا أخلاق يجعل من حامله قاطع طريق وليس ثائرا . هذه الممارسات الظالمة، التي يرتكبها قلة منهم أو كثرة لا أحد يعلم بدقة، يجب أن تتوقف فورا لأنها تسلب المنتفضين على النظام أي تفوق أخلاقي عليه. التمادي في ظلم المدنيين العزل والاعتداء على ممتلكاتهم وكراماتهم تجعل الشعب السوري البطل ضحية النظام وضحية من ثاروا عليه وهذه قمة المأساة.
على القيادات السياسية والميدانية للثورة السورية أن تتداعى سريعا جدا لبحث هذا الأمر والقضاء عليه والابتعاد عن أي منطق تبريري له. ما يجري لا يمكن إلا أن يخدم نظام دمشق كما لم يخدمه شيء آخر. لا بد من قطع دابر هذا الانحراف ومحاسبة المتسببين فيه والمشجعين عليه. إنه أخطر تشويه تتعرض له الثورة وإذا ما استمر أو استفحل فقد ينقلب المزاج الوطني وربما حتى العربي والدولي لأن ثورة يفعل أبناؤها ما يفعلون ليست جديرة أبدا، أخلاقيا قبل أي شيء آخر، أن تكون بديلا للنظام الحالي... حتى وإن حملت مجموعاتها أسماء دينية رنـّانة أو كان مقاتلوها من الملتحين.