علي الطراح

مصر دولة محورية، وهي quot;ترموترquot; نقيس عليه الحال العربية، فمصر تحكم اليوم من قبل جماعة quot;الإخوان المسلمينquot;، وهي اليوم تتبوأ رأس السلطة، ولم تمر إلا أيام معدودة حتى شهدنا تفاوتاً في المواقف من حكم quot;الإخوانquot;، فالجمعة المليونية المناهضة لحكم مرسي فشلت، وترجع أسبابها لاعتقال رئيس صحيفة quot;الدستورquot; لانتقاده رئيس الجمهورية، فالخوف من التضييق على الحريات العامة أثار الرأي العام.
والعلة الكبيرة التي ما زالت ترسم حياتنا وسلوكنا تتجسد في أننا لا نحاول أن نفهم بأن لكل مرحلة زمنية طبيعتها، فاليوم على سبيل المثال لو لم يكن مرسي على رأس السلطة لوجدنا الموقف العدائي من quot;الإخوانquot; أنفسهم ضد من يحكم مصر من تيارات أخرى. فنمط الفكر الذي تشربناه قد يدفعنا نحو نوع من العبثية والعاطفية في مواقفنا.

لقد وصل مرسي إلى كرسي السلطة من خلال صناديق الاقتراع، فالرجل حكم بعد طول فترة استبداد عمت مصر والعالم العربي حيث ليست لدينا انتخابات رئاسية ديمقراطية. وعند رؤيتي للحال العربية وحالة التنازع الكبير التي تشهدها الساحة المصرية فإنها تعيد إلى ذهني أزمة العقل العربي. وطبعاً فالعقل البشري في تركيبة واحدة ونحن لا ندفع في أي مفاضلة بين العقل العربي والغربي على سبيل المثال وإنما نؤمن فقط بأن هناك أزمة ضاربة جذورها في عقلنا العربي. وبقراءة الواقع نستخلص أنها أزمة لا تمت للجينات بقدر ارتباطها بالموروث الثقافي، فالأزمة هي معرفية فكرية بنيوية ترتبط ببعض أوجه تراثنا الذي هو اليوم ما يشكل لنا الأزمة الحقيقية. شخصياً أختلف مع quot;الإخوان المسلمينquot; في الكثير من أطروحاتهم، ولذا فإن ما أثيره يمس فعلنا السياسي اليومي في تعاملنا على مستوى الواقع وكيفية نقدنا لبعضنا بعضاً على مستوى الممارسة السياسية. ومصر تواجه مشاكل عصية ولم يعد بمقدور شعار quot;الإسلام هو الحلquot; أن ينهي معاناة المواطن المصري، وهذا ليس تقليلاً حاشى من شأن الدين، بقدر ما هو تنبيه إلى أن أمامنا تحدياً علينا مواجهته. فاليوم لدينا تفاسير مختلفة وأحياناً متناقضة، ولا يبدو أننا نتجه نحو تقريب وجهات النظر، ولعل دعوة خادم الحرمين الشريفين لتأسيس مركز للحوار الإسلامي بين المذاهب هو تأكيد لعمق الهوة بين المدارس الإسلامية. وتركيا دولة تقدم لنا نموذجاً في الحكم الإسلامي الحديث، ويبدو، كما هو واضح، أن هناك بعض مراكز الفكر الأميركي مثل جماعة quot;راندquot; فيها من يساوم على أهمية تطوير القدرة الاجتهادية الإسلامية لكي تحدث مواءمة بين الحداثة الغربية والمشروع الإسلامي، وهذا يتطلب تطويراً فقهياً وتشريعات جديدة تدفع نحو التفاعل مع العصرنة، وليس معاداتها كما هو مشاع عن الحركات الإسلامية التي يدفع بعضها نحو القطيعة.

وتيار quot;الإخوانquot; في مصر عليه التمييز بين الإحياء الإسلامي وظاهرة التطرف المعادية للبشرية، فالإحياء الإسلامي هو المجال الذي يتعين أن يُدفع به نحو إعلاء القيم الأخلاقية وقيم العمل والتفاني والإنتاج والتفاعل مع الحضارات، وهذا ما هو المطلوب من quot;الإخوانquot; في مصر في هذه المرحلة، فهم اليوم لا يملكون سوى التفاعل مع قضايا يستعصي حلها ضمن رؤية إسلامية اجتهادية ضيقة لا تعبر عن حقيقة الإسلام كدين يدفع نحو النهوض والتطور.