عدنان حسين
لم تكن محض مصادفة أن يختار سلفيو ليبيا ومصر المتعصبون يوم الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) لمهاجمة مقر القنصلية الأميركية في بنغازي الليبية بالصواريخ ما أدى إلى مقتل السفير وعدد من موظفي القنصلية، وتنظيم تظاهرات والسعي لاقتحام مقر السفارة الأميركية في القاهرة،
فهذه الأعمال الإرهابية قصد بها إحياء ذكرى العمل الإرهابي الأكبر، هجمات 11 سبتمبر 2001 التي قتل فيها انتحاريو quot;القاعدةquot; أكثر من ثلاثة آلاف مدني أميركي وغير أميركي.
لا بد أن هذا العمل المزدوج كان مرتباً ومنسقاً سلفاً وإن اتخذ من بث فيلم يسيء إلى النبي محمد عبر شبكة الإنترنت حجة له. وهو على أي حال يعكس حال التخلف المريع الذي تعيشه مجتمعاتنا، وبالذات الأوساط الإسلامية المسكونة بتعصب لا يُناظره إلا تعصب متدينين مسيحيين من النوع الذي أنتج الفيلم، وهما تعصبان لا يفرقان عن بعضهما في شيء، بل يعتاش كل منهما على الآخر.
من فرط جهلنا وتخلفنا لا ندرك أن الحكومات والمؤسسات الرسمية في أوروبا لا تتدخل في الشؤون الفنية والثقافية والعلمية مثلما لا تتدخل في الاقتصاد، وبالتالي فإنها ليست مسؤولة عما يُطرح في السوق من سلع ومنتجات، بما فيها أفلام السينما والتلفزيون والفيديو، بل ليس من حق هذه الحكومات والمؤسسات، بموجب دساتيرها وقوانينها التي تكفل الحريات العامة والخاصة وتعاقب من ينتهكها أياً كان، أن تمنع إنتاج أي عمل فني وثقافي حتى لو كان يندد بهذه الحكومات والمؤسسات ويهتك أسرارها.ومستندة إلى كفالة حرية التفكير والتعبير، أنتجت السينما ومحطات التفزيون الأميركية والأوروبية مئات الأفلام والبرامج والمسلسلات التي تدين حروباً خاضتها حكومات هذه البلدان في الخارج، بما فيها حرب فيتنام والحرب المتواصلة في أفغانستان وحرب الخليج 1991 واجتياح العراق 2003، بل إن شركات السينما والتلفزيون أنتجت أفلاماً وبرامج مناهضة للكنيسة ومشككة في هوية المسيح نفسه وفي وجوده من الأساس، لم يستطع حتى الفاتيكان منعها.
إذا كان يتعين أن تخرج التظاهرات وأن تُقصف السفارات والقنصليات بالصواريخ في كل مرة تصدر فيها إساءة للدين الإسلامي وسائر الأديان في الإنتاج الفني في هذه البلدان فانه يتوجب مهاجمة كل السفارات والقنصليات الغربية في البلاد الإسلامية قاطبة.
لكن هذا سلاح ذو حدين فإذا بررنا مثل هذه الهجمات سنبرر للمتدينين المتطرفين في تلك البلدان أن يهاجموا كل سفاراتنا وقنصلياتنا في بلدانهم استناداً إلى حجة مماثلة، ففي كل يوم يُهاجم المسيحيون في جوامعنا وحسينياتنا ومن على شاشات التلفزيون وعبر الإذاعات وفي خطب الجوامع والمساجد والحسينيات، ويُندد بالحضارة المسيحية بوصفها حضارة quot;فاسقةquot;، مع أن المهاجمين يعتمدون في حياتهم اليومية على الأجهزة والمعدات المنتجة بفضل هذه الحضارة، بما فيها مكبرات الصوت في الجوامع والحسينيات وأجهزة الراديو والتلفزيون والتلفون والسيارة ومشروبات الكولا وسواها.
ما حصيلة ما جرى في بنغازي والقاهرة غير القتلى والجرحى؟ تعميق لصورتنا السلبية في عيون الغربيين .. صورة القتلة وسفاكي الدماء بالجملة.
التعليقات