فرضت الحركة الإسلامية السلفية نفسها بقوة في تونس خلال الأيام الأخيرة، وقد جاء هذا الظهور الجديد مختلفًا عن تاريخ هذه الحركة الطويل.


قال مراسل فضائيّة (الميادين) واصفًا الأحداث في محيط السفارة الأميركيّة بمنطقة البحيرة في العاصمة التونسية التي أفرزها الفيلم المسيء للاسلام ونبيه الكريم، إن quot;مصادر أمنيّة خصّته بتفاصيل مثيرة أسرّت له بأنّ السفير الأميركي كان متواجدًا في السفارة عندما طوّقـتها جموع الغاضبين قبل أن تنجح في التسلّل إليها رغم المقاومة الشديدة لرجال الأمن، وأن السفير أُنقذ من الحصار بعدما ارتدى متنكرًا، لباس القوّات الأمنيّة التونسيّة quot;.

وفي هذا الصدد يكتب الكاتب التونسي عبد الرزاق قيراط: quot; فاجأنا وجود السفير في مقرّ عمله في تناقض عجيب مع الإجراءات الوقائيّة التي يتّخذها الأميركيون عادة حين تكون حياتهم في خطرquot;.
و تفسير ذلك البقاء، بحسب قيراط، يحتمل كلّ التأويلات بما في ذلك مزاعم التواطؤ التي يسوّق لها حزب نداء تونس، فلعلّ السفير سقط في نفس الفخ الذي سقطت فيه السلطات التونسيّة و اتّفق أو'تواطأ' مع الذين غُرّر بهم ليتسلّم رسالة الاحتجاج التي ذكرها وزير الصحّة، أملاً في تقديم أسلوب حضاريّ للاحتجاج من مهد الربيع العربيّ يكون قدوة للمتظاهرين الغاضبين في العواصم الإسلاميّة.
لكنّ الذي حدث بحسب القيراط في مقاله في صحيفة القدس العربي، هو اقتداء التونسيّين بجماعات العنف التي خرجت في أرجاء العالم لتعبّر عن غضبها بالحرق و النهب، فأساءت بدورها إلى الإسلام و ناقضت تعليماته التي تدعو إلى التسامح و كضم الغيظ و الإعراض عن الجاهلين و عدم الخوض مع الخائضين الذين يستهزئون بمقدّساتنا حتّى يخوضوا في حديث غيره.
وعلى صعيد النفوذ المتصاعد للتيار السلفي في تونس، وهو المتهم باعمال العنف في محيط السفارة الاميركية والراعي الاول للاحتجاجات ضد الفيلم المسيء للإسلام، اشارت صحيفة الشروق التونسية الى أن الشيخ السلفي أبو عياض وهو من زعماء السلفية الجهادية حضر مراسم دفن ضحايا أحداث السفارة الأميركية وسط حراسة مشددة، في مقبرة الجلاز في العاصمة.
وكانت الاحتجاجات ضد الفيلم في تونس الجمعة الماضي قد اسفرت عن مقتل أربعة أشخاص من المتظاهرين.
وبحسب مصادر الصحيفة، فإن أبو عياض حضر المراسم على رأس حراسة كبيرة ومشددة من قبل عدد من السلفيين، وغادر المقبرة فور انتهاء مراسم الدفن عن طريق تسريبه من مسلك مؤمن مسبقًا.
وكان أبو عياض كذب الداخلية التونسية في اتهامها له بالمشاركة في احداث السفارة مؤكداً وجوده في منزله يوم حرق السفارة، غير أن قوات الأمن هاجمت منزله بأعداد كبيرة مما اضطر انصاره وعدد من الجيران الى حمايته ومنعوا الامن من اقتياده إلى مركز الإيقاف بحسب تصريحه هو. كما اتّهم أبو عياض وزير الداخلية بخرق القانون، قائلاً إن فرقة أمنية حاولت اعتقاله (بالقوة) من منزله دون استدعاء للمركز أو تصريح من وكيل الجمهورية.
وطالب أبو عياض من وزير الداخلية أن يقدم استقالته، على خلفية الاعتداءات على السفارة الأميركية الجمعة الماضي.
ويشكل سلفيون تونس قوة فاعلة في المشهد السياسي التونسي منذ الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011.
وفي وقت سابق استخدمت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق سلفيين هاجموا بالسيوف والهراوات مهرجانًا ثقافيًا في مدينة بنزرت حضره سمير القنطار السجين اللبناني السابق في إسرائيل المعروف باسم (عميد الأسرى اللبنانيين)، اذ اقتحم السلفيون دار الشباب التي كانت تستضيف الدورة الثانية من (مهرجان الأقصى) الذي انتظم يوم 15 و16 اب/أغسطس، واعتدوا على الحاضرين مما اضطر المعنيين بتنظيم المهرجان الى (تهريب) ضيف شرف المهرجان سمير القنطار من الباب الخلفي.
الكاتب سامح راشد يشير في تحليل له للأحداث التونسية في الخليج الإماراتية الى أن quot; الحركة الإسلامية السلفية فرضت نفسها بقوة على سطح الأحداث في تونس في الأيام الأخيرة. ورغم أن الأفكار والتنظيمات السلفية موجودة في تونس منذ سنوات، إلا أن ظهورها الجديد مؤخراً جاء مختلفاً، حيث تدثر بعباءة (تطبيق بالمعروف وإزالة المنكر) لفرض آراء ومواقف يراها السلفيون من صحيح الإسلام quot;.
ويزيد في القول quot; هذا الامر وضع حركة النهضة الحاكمة ذات المرجعية الإسلامية أيضاً في حرج سياسي وإعلامي. في وقت بدأ المجتمع التونسي يعاني ممارسات السلفيين ويرد على اعتداءاتهم بالأسلوب نفسه، الأمر الذي يدفع إلى القلق بشأن مستقبل الانسجام المجتمعي الذي طالما تميزت به تونس، خصوصاً من المنظور الديني quot;.
ويشير راشد الى أن quot;الخلاف بين السلفيين والنهضة أو داخل النهضة حول العلاقة مع السلفيين ليس هو العقدة المستحكمة في تونس حالياً. فالأمر كله يتعلق بالمواطن التونسي الذي أصبح هو شخصياً يعاني سلوكيات السلفيين، وفي الوقت ذاته هو يرتبط ويؤيد حركة النهضة المعروفة بإسلامها المعتدل quot;.
وكان أبو عياض التونسي دعا في وقت سابق الى العنف ضد الشيعة في تونس معتبرًا أن هؤلاء يمثلون خطرًا على أتباع السنة الذين يمثلون أغلبية الشعب التونسي، في تطور خطير للصراعات السياسية التي تشهدها البلاد بعد الثورة، والتي قد تتحول إلى صراعات طائفية.
وقال أبوعياض في خطبة إن هناك خطة للزحف الشيعي تشرف عليها إيران وهو ما يهدد التواجد السني في تونس، واصفًا الشيعة بـ(الروافض).