السادسة صباحاً على شارع الإمارات، كانت المسافات متباعدة بين السيارات، الشارع بلا ضجيج، شعرت وكأني على الدرب وحدي، هدوء أقرب إلى السكينة.
لا عجلة في الأمر، ولن تأبه إلى حراس السرعة، «الرادارات»، على طول الطريق، لأن سرعتك لا تكاد تصل إلى 120 كلم، ولا تعنيك أبداً القيادة في الحارة على أقصى يسار الشارع، وتقود سيارتك متأنياً في سيرك.
ثلاث ساعات هي مدة أكثر من كافية من أبوظبي إلى رأس الخيمة، وكنت قد قطعت ثلثي المسافة، وعندما وصلت إلى الثلث الأخير بدأ يتراءى لي مسجد الشارقة، من تلك المسافة ومع أضواء الصباح الباكر يبدو المسجد وكأنه يكتسي بهالة من نور.
تمر الثواني ثم الدقائق لتقترب أكثر لتتجلى معالم المسجد، ويزداد المنظر فخامة وتتضح روعة التصميم، وكلما اقتربت زادت دهشتك وتعلقت نظراتك بقباب المسجد التي تتجاوز الثمانين قبة، أما القبة الرئيسية لمسجد الشارقة فيبلغ ارتفاعها 45 متراً وبقطر يبلغ 27 متراً، وعندما تراها تشعر وكأنها طافية على المسجد بأسره.
على جانبي المسجد هناك مئذنتان بارتفاع 75 متراً، وما أن تصل بمحاذاة المسجد وتبدأ بتجاوزه تنتقل عيناك فجأة إلى المرآة الخلفية الصغيرة لتدرك حينها بأنك قد مررت للتو أمام تحفة معمارية فريدة.
ويعتبر مسجد الشارقة درة معمارية جديدة تتربع على عرش عاصمة الثقافة الإسلامية «الشارقة». هذا الصرح المعماري المهيب، الذي افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة في شهر رمضان عام 1440ه، والموافق 10 مايو 2019م.
استغرق بناء المسجد خمس سنوات وبكلفة بلغت 300 مليون درهم، إذ تصل مساحته الإجمالية إلى 2 مليون قدم مربعة مع الحدائق الخارجية، ويحتل موقعاً استراتيجياً حيوياً، على شارع الإمارات. يتسع المسجد في الداخل والخارج لنحو 25 ألف مصل، موزعين على أكثر من مساحة وفضاء، ففي داخل المسجد هناك مساحات لاستقبال أكثر من 5 آلاف مصل، منها 610 للنساء، أما الرواق الأمامي والأروقة الجانبية، فترحب بأكثر من 6 آلاف مصل، في حين تتكفل الساحة المفتوحة باستقبال 13.5 ألف مصل.
اشتمل المسجد على 6 بوابات ومداخل منها 4 مداخل عامة، مدخلان للنساء وواحد لكبار الشخصيات وواحد للحافلات بالإضافة إلى وجود عدد 8 مصاعد كهربائية لخدمة المصلين والزوار. وانطلاقاً من تعزيز أهمية السياحة الثقافية والإسلامية فقد تم تجهيز المسجد ليستقبل الزوار من غير المسلمين ومحبي المعرفة.
أكملت طريقي باتجاه الشمال وبعد دقائق شاهدت عمالاً بين مساري الشارع يحملون أدوات زراعية، كانوا يزرعون وينسقون زهوراً بألوان مختلفة كالأبيض والأحمر والوردي، و بدا المنظر وأنا أمر بجانبه كإحدى لوحات الرسام مونيه، أو كمزهرية منبسطة أسرت نظراتك و تعلقت بها.
وأنت تودع الشارقة سترى لوحة تحمل صورة صاحب السمو حاكم الشارقة وقد يمر في ذهنك شريط لتحف معمارية أخرى تزخر بها الشارقة من شواطئ الخليج العربي مروراً بكثبان الذيد إلى سواحل بحر عمان (بحر العرب).
هذه التحف المعمارية التي أصبحت معالم حضارية تميز الشارقة بدأت كأحلام في مخيلة حاكمها، ثم تبلورت إلى صور جمالية حولتها مشيئة الله ثم رؤية سلطان إلى واقع نراه اليوم أمامنا، ولو سألت بانيها لعرفت بأن لكل تحفة قصة تستحق أن تروى، عندها نتعلم كيف نحوّل الأحلام إلى واقع نشاهده وحقيقة نعيشها.
شكراً لباني المآذن وزارع الزهور، شكراً على التحف الرائعة الخلابة، شكراً لمن حلم وخطط وأنجز، أطال الله سنينك قائداً وأباً ومعلماً.
التعليقات