علي سعد الموسى

أدركت جماعة الإخوان المسلمين، منذ طفرة نهاية السبعينات، أن الكتلة الخليجية الصاعدة هي الذراع المالي الذي سينقلها إلى مرحلة (التمكين) بحسب برمجة الحركة. وسيلة الجماعة هي الوصول إلى القاعدة ولكن بتوظيف النخبة فماذا فعلت؟ وجدت جماعة الإخوان أن المنجم النخبوي الهائل يكمن في آلاف المبتعثين الذين سيعودون لبلدان الخليج أساتذة للجامعات وبالتحديد في بريطانيا والولايات المتحدة. هؤلاء المبتعثون من النخب هم الجمهور الأبرز للحضور الطاغي للمؤتمرات الدورية التي كانت تعقد بصخب هائل، وبحضور الآلاف، سواء في المعسكرات الصيفية للطلبة المسلمين في الغرب أو في المؤتمرات الشاملة التي تعقد في نهاية العام الميلادي في مدن غربية مختارة. في هذه البيئة، وجدت الحركة مناخا هائلا من الحرية في الوصول إلى عقول من رأت أنهم أصحاب القرار المستقبلي وسادة التأثير المجتمعي. وبعد أكثر من ربع قرن على هذا الاختراق ستكتشف بما لا يدع ثقبا للشك أن شمس هذه الحركة أشرقت من (الغرب). وليست صدفة أن تجد أن الأسماء اللامعة التي تبدأ هذه المؤتمرات الصاخبة وتنهي محاضراتها تكاد تنحصر في أسماء بنية الحركة الذين يتكررون بشكل ثابت، وكالأمثلة، من القرضاوي إلى الغنوشي والترابي وعصام البشير وعبدالله عزام، رحمه الله، وأنا لا أكتب دون البراهين، لأن أسماء المحاضرين وعناوين هذه المحاضرات مكشوفة في أدبيات هذه المؤتمرات ومواقعها الإلكترونية ولك أن تعود إلى موقع (ESNA) وروابط الطلاب المسلمين بالجامعات الأميركية والبريطانية.
ولأن طلاب دول الخليج كانوا صلب الاستهداف فقد ركزت هذه المؤتمرات على رسالتين: الأولى: تقريع المنهج السلفي التقليدي بوصفه الحاضن لهؤلاء الطلاب ووصمه بالجمود والتخلف والانكفاء العقدي، ومن صلب هذه المؤتمرات خرج مصطلح (الفقه البدوي) بوصفه بذرة للتطرف. الثانية، كانت في التأصيل (لجاهلية القرن العشرين) بكل ما يتبع هذا المصطلح الشهير من رسائل الشك المكثفة بين هؤلاء النخب وبين أنظمة بلدانهم السياسية وبين مؤسساتهم الفكرية السلفية وعلى رأسها هيئات كبار العلماء والفتوى والإرشاد. كان الهدف أن يعود هؤلاء الآلاف من مبتعثي الخليج (غرباء) في أوطانهم وببذرة شك مبرمجة في أنظمتها السياسية والدينية وأيضا في النظرة إلى مجتمعهم بوصفه (مغريا) يفتقد للهوية.
السؤال الآن: هل أثمرت غراس هذا الاختراق بعد ربع قرن من بدء الفكرة؟ والجواب، بنعم صريحة إذ لا يكاد يخلو قسم أكاديمي جامعي أو كلية أو لجنة من (مندوبي) هذه المؤتمرات ومن تلامذة محاضراتها ومراكزها بالغرب. هم النخب التي تبني المناهج وتختار المعيدين وتختار مندوبيها إلى مفاصل العمل الإداري بجامعاتنا السعودية المختلفة. غدا نكمل.