يوسف الكويليت
لقاء الأعداء تبرره سياسات المصالح، فقد اتفق الشرق والغرب، أو السوفيات ودول الأطلسي على الحرب ضد النازية والفاشية والقضاء عليهما، لكنهما تحاربتا في فيتنام وأفغانستان فهُزمتا في البلدين، ولعل ما تخفيه الاتفاقات السرية لن يظهر بسهولة حتى إن خدعة حرب ١٩٦٧م بين العرب وإسرائيل، وانتصار الأخيرة لم تكشف بشكل نفهم منه مثل هذا الاتفاق بين الأعداء..
سورية دخلت اللعبة في صراع مع مختلف القوى، إقليمية تظهر وجهها بين تركيا وإيران، وانقسام عربي يدعم البعض نظام الأسد، والآخر يدعم المعارضة وجيشها الحر، لكن القوى الكبرى تتعارك وفق مقومات مصالحها، غير أن هناك اتفاقاً تاماً بأن سورية مرشحة لأن يخلف الأسد نظام إسلامي متشدد سوف يقلب المسيرة الأمنية والسياسية في أكثر من بلد، لكن إذا كانت مخاوف أمريكا من إحداث مشكل أمني لإسرائيل، فروسيا تخشى أيضاً من شريط إسلامي يبدأ من سورية فالعراق فآسيا الوسطى، أي محيطها الجغرافي، وهذه الأفكار مخاوف أكثر منها حقائق لأن إهمال الوضع السوري وتركه يتفاعل، وعدم فتح نوافذ مع قوى المجتمع المعارض وفهم توجهه واحتوائه، ساهمت بشكل مباشر بأن تبرز تيارات وقوى تذهب إلى الدين كملاذ يجمع الفرقاء المحرومين والمظلومين من النظام..
ومثلما ساعد الأمريكان الأفغان في حربهم ضد السوفيات فقد بنوا بذرة التطرف التي أدت إلى أحداث (١١) سبتمبر، والروس سوف يدفعون فاتورة تأييد الأسد بفشل سياسي وقطيعة عربية وربما إسلامية، وقد شهدنا كيف بدأت حوارات سرية بين الأمريكان والعديد من حكومات الربيع العربي ذات الوجه الإسلامي، وكلاهما يخادع الآخر بعدم إظهار حقيقة موقفه، وإن كان الأمريكان يريدون فرض شروط وإملاءات تخدم توجه تلك الحكومات حتى لا تدخل في عداء طويل مثلما حدث بأفغانستان مع طالبان، أو إيران الخميني بأن عجلت بدعم بعض التوجهات بأمل أن تفرز نظماً أقرب للديموقراطية، وأرقى من الدكتاتورية، ومع ذلك فكل المعالم لا تبدو أنها تتوجه نحو خط واضح تُبنى عليه صورة المستقبل..
روسيا تصر على مقايضة شخص ونظامه الفئوي أمام حشد جماهيري شعبي يقاتل من أجل حريته التي يريد انتزاعها بالتضحيات غير المسبوقة، وكان عدد الشهداء خمسة وستين ألف قتيل فاق هذا العدد قتلى الكثير من الحروب العربية الأهلية وغيرها، بينما روسيا التي تدعم النظام تنسى كيف قدمت التضحيات في هزيمة النازية ومن أجل حرية شعبها زمن السوفيات لكنها تتصرف بعقلية الدولة الاستعمارية، والهدف يبقى ضبابياً لأن رهانها على خاسر هو سياسة عمياء، بتصرفاتها التي كشفت عن وجه جديد في عداء أمة كاملة وليس لديها، حتى الآن المرونة التي تخرجها من الحرج في إيقاف شلال الدم السوري، وهي مكاسب تمنحها للغرب بغباء من دولة تملك المفكرين والسياسيين والعلماء، لكن لأنها تفكر بما هو راهن ولا تفكر بقادم الأيام، وتدار بعقلية بقايا الفكر السوفياتي في صراع الشرق والغرب فذلك جعلها لا تفهم النتائج، ولكنها تقيم سياستها على الاحتمالات لا حقائق الواقع، وما ستفرزه من خسائر لها سياسياً واقتصادياً..
التعليقات