لم يتأخّر laquo;حريقraquo; طرابلس، الذي يتداخل فيه laquo;دخانraquo; الانقسامات اللبنانية مع laquo;الرياح اللاهبةraquo; للأزمة السورية، في ان يظلّل مجمل المشهد السياسي الذي بات أسير جولة المواجهات الجديدة في عاصمة الشمال ومضاعفاتها التي تنذر بفرض واقع laquo;غير عاديraquo; في ظلّ عدم بروز ملامح قدرة على ضبط الاشتباكات المرشّحة للتصاعد في موازاة بلوغ التصعيد السياسي منسوباً غير مسبوق عبّر عنه في شكل رئيسي laquo;البيان التحذيريraquo; لرئيس laquo;تيار المستقبلraquo; سعد الحريري.


وجاءت laquo;اندفاعةraquo; زعيم laquo;تيار المستقبلraquo; الذي لوّح بـ laquo;اننا لن نسكت على الضيم ولن نكتفي بعد اليوم بالوقوف مكتوفينraquo;، لتضع الدولة، التي طالبها الحريري بان تتحمّل مسوؤلياتها وlaquo;تحسم الوضعraquo; في طرابلس، امام إرباك جديد هي التي حزمت laquo;على الورقraquo; أمرها وهيأت الاستنابات القضائية لملاحقة المشاركين في العمليات العسكرية المستمرة منذ يوم الاثنين الماضي والتي اوقعت حتى امس نحو 8 قتلة واكثر من 80 جريحاً، من دون ان تَظهر قادرة على ترجمة قرارها ولا سيما بعدما بدت جبهة باب التبانة - جبل محسن بمثابة laquo;خط نارraquo; للاشتباك الاقليمي حول سورية التي صارت أزمتها laquo;تقبضraquo; على الواقع اللبناني.
ومع laquo;السقف الأعلىraquo; الذي رسمه laquo;المستقبلraquo; حيال laquo;انفجار طرابلسraquo; وتوّج سلسلة مواقف حادة لنواب في كتلته لم توفّر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الذي انبرى امس الى الردّ بحدّة، بدا أفق الوضع في عاصمة الشمال محكوماً إما بالانفلات الذي يمكن ان ينتقل الى مناطق اخرى، وإما باحتواء يبدو شبه مستحيل في ضوء وضع laquo;المستقبلraquo; وقوى laquo;14 آذارraquo; إطاراً للحسم عنوانه إنهاء ما يعتبرونه laquo;العصابةraquo; التي يشكّلها laquo;الحزب الديموقراطي العربيraquo; (العلوي) في جبل محسن وتوقيف القيادي فيه رفعت عيد على خلفية laquo;ترويع طرابلس ومسؤولية حزبه عن تفجيريْ المسجدين في طرابلس وفق ما أظهرت تحقيقات شعبة المعلومات في قوى الامن الداخليraquo;.
وفي ظل هذا laquo;التدافُع الخشنraquo; على تخوم مواجهات طرابلس التي عاشت هدوءاً حذراً نهار امس أعقب ليلة صاخبة من الاشتباكات التي استحضرت زمن الحرب الاهلية، ارتفعت المخاوف في بيروت من ان يكون لبنان دخل مرحلة الخطر الفعلي على خلفية التطورات المتصلة بالملف السوري. ورأت اوساط سياسية مطلعة عبر laquo;الرايraquo; ان الاسابيع المقبلة مرشحة لان تشهد ضغوطاً سياسية هائلة لضمان laquo;نصابraquo; سوري لانعقاد مؤتمر جنيف - 2 بحيث يفتح الطريق امام مرحلة انتقالية في سورية، كما ضغوطاً عسكرية على الارض في محاولة لتحقيق مكاسب تتيح لأي من طرفيْ الصراع الجلوس على الطاولة بشروطه او ربما إفشال المؤتمر بفرط انعقاده بعد ارتسام سقف له هو laquo;لا مكان للرئيس بشار الاسد في المرحلة الانتقاليةraquo;، علماً ان الكلام الذي نُقل عن المسؤول الاممي جيفري فيلتمان قبل يومين كان معبراً بقوله ان عدم التئام المؤتمر يعني ترشح الاسد للرئاسة سنة 2014.
ومن هنا يخشى لبنان في مرحلة شدّ الحبال السياسي - العسكري حول laquo;جنيف - 2raquo; ان يكون laquo;ملعب النارraquo; لتوجيه رسائل التحذير والضغط، وهو ما لاحت ملامحه من خلال إشعال الوضع في طرابلس التي تراوح القراءات حوله بين انه لإحداث ربط نزاع مع معركة القلمون بمعنى رسم معادلة laquo;عرسال (ذات الغالبية السنية في البقاع) مقابل جبل محسن (ذات الغالبية العلوية في طرابلس)، وبين انه للتعمية على كشف شعبة المعلومات الشبكة التي تقف وراء تفجير مسجديْ السلام والتقوى. علماً ان تقارير متزايدة تشير الى اتصالات تجري خارجياً لتجنيب عرسال أي أذى في خضم الحديث عن معركة القلمون وبما يجنّب لبنان الوقوع في المحظور الذي استدعت مساعي تدارُكه إرجاء الرئيس ميشال سليمان زيارته التي كانت مقررة اليوم للنمسا.


كان بارزاً التحذير الذي أطلقه موفد الأمين العام للأمم المتحدة لتنفيذ القرار 1559 (حول لبنان) تيري رود لارسن (عبر صحيفة laquo;النهارraquo;) من ان لبنان يتجه laquo;بسرعة قياسيةraquo; الى laquo;وضع خطر جداًraquo; بسبب استمرار تدفق اللاجئين السوريين، فضلاً عن أزمة الفراغ السياسي، الذي قد يحول دون انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وليواجه تالياً laquo;الوضع الأخطر في تاريخه منذ انتهاء الحرب الأهليةraquo;.
وترافق الأفق الامني المفتوح على المزيد من laquo;التسخينraquo; مع واقع سياسي ينذر بتعقيدات اضافية وهو ما سيتجلى في محطتين:
* اللقاءت الوشيكة للرئيس سعد الحريري في باريس مع أركان من قوى 14 آذار بينهم الرئيس فؤاد السنيورة والنائبان مروان حمادة وبطرس حرب والنائبان السابقان فارس سعيد وسمير فرنجية في اطار رسم سقف المواجهة السياسية في المرحلة المقبلة.


* الإطلالة المرتقبة للامين العام لـ laquo;حزب اللهraquo; السيد حسن نصرالله في احتفال laquo;جمعية مؤسسة الشهيدraquo;، ظهر غد الاثنين حيث من المتوقع ان يتطرق الى ملفات الساعة لبنانياً ولا سيما احداث طرابلس والاتهامات لحزبه كما الى ملف تشكيل الحكومة والوضع السوري وآفاقه.
ولم تحجب هذه الوقائع الأنظار عن الوضع الميداني في طرابلس الذي كان شهد ليل الجمعة - السبت ارتفاعاً في حدة الاشتباكات بين جبل محسن والمناطق المحيطة به، وسط مطالبة فاعليات طرابلس الدولة بحسم الوضع وهو ما خلص اليه اللقاء الذي عُقد في منزل النائب محمد كبارة (من كتلة الحريري) الذي رأى أن سبب البلاء وlaquo;مصدر الإجرام والإرهاب هو العصابة المسلحة في جبل محسن، داعياً الجهات المختصة للتعامل معها على هذا الاساس لحماية المدينة واهلهاraquo;.
في موازاة ذلك، جدد الرئيس نجيب ميقاتي تأكيد أن laquo;الجيش اللبناني والقوى الامنية سيتخذون كل الاجراءات اللازمة والضرورية لانهاء حالة العنف والتفلت التي تشهدها مدينة طرابلسraquo;، وقال رداً على سؤال عن الحملات التي تشن عليه في موضوع طرابلس ووصلت الى مطالبته ووزراء المدينة بالاعتكاف احتجاجا على ما يحصل: laquo;على الجميع التحلي بالمسؤولية والترفع عن المزايدات المجانية والاتهامات الباطلة. واحداث طرابلس لم تبدأ أيام حكومتنا، والكثير من المتحاملين كانوا في موقع المسؤولية في غالبية المراحلraquo;.