إبراهيم البحراوي


مع اقتراب التاسع والعشرين من أبريل الموعد المستهدف للتوصل إلى اتفاق سلام فلسطيني إسرائيلي من جانب الولايات المتحدة، يصمم نتنياهو على القول أن لا سلام بدون وجود قوات إسرائيلية في غور الأردن، وهو الحد الشرقي للدولة الفلسطينية المواجه للمملكة الأردنية الهاشمية. إن مقولة أن إبقاء هذه المنطقة تحت السيطرة الإسرائيلية أمر حيوي لأمن إسرائيل، في إطار أي اتفاق للسلام، كانت قد اكتسبت قوتها بعد وقوع الضفة الغربية تحت الاحتلال عام 1967. فقد قدّم laquo;يجال آلونraquo;، أحد أقطاب حزب laquo;العملraquo;، مشروعاً للتسوية السياسية وضع في حسبانه أن إبقاء الغور تحت سيطرة إسرائيل يؤمنها من عدة مخاطر أمنية. أول هذه المخاطر الحروب التي يمكن أن تشن على إسرائيل بالتعاون بين الأردن والعراق. واليوم يرى باحثون استراتيجيون في إسرائيل والولايات المتحدة أن هذا الخطر قد زال نتيجة التحولات السياسية في المنطقة، والتي أدت إلى تفكك الجبهة العربية الشرقية التي نشطت في حربي 1948 و1967 وكادت تنشط في حرب 1973. ثاني هذه المخاطر التي وضعها آلون في حسبانه منذ خمسة وأربعين عاماً، هو خطر الأعمال الفدائية وهجمات المنظمات الفلسطينية المسلحة التي يمكن أن تتجهز في الأردن وتعبر النهر وصولاً إلى العمق الإسرائيلي. هذا الخطر هو الآخر أصبح بعد كل هذه العقود وبعد إنشاء الجدار العازل بين إسرائيل والضفة الغربية موضع سخرية من المحللين الاستراتيجيين نظراً لأن أي اتفاقية سلام ستجعل الدولة الفلسطينية مسؤولة عن منع عبور أي تنظيمات مسلحة، فضلا عن أن الأردن نفسه مسؤول بحكم معاهدة السلام مع إسرائيل عن عدم السماح بعبور أي مجموعات مسلحة لنهر الأردن لتهديد أمن إسرائيل.

أضف إلى ذلك أن وجود فصائل مسلحة لمنظمة التحرير الفلسطينية في الأردن قد انتهى منذ عام 1970. إن المحللين الاستراتيجيين يرون أن تطور وسائل القتال ودخول عصر الصواريخ قد أغنى القوى المعادية لإسرائيل عن الزحف البري، وبالتالي فإن منظومة القبة الحديدية، التي أنشأتها إسرائيل وتعزز دقتها بالتعاون مع الولايات المتحدة، هي الرادع المطلوب والدرع الحامية وليس وجود قوات إسرائيلية برية على شاطئ نهر الأردن. يبدو أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي كان قد انحاز لمطلب نتنياهو فقدم اقتراحاً ببقاء القوات الإسرائيلية في غور الأردن لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة قد بدأ يغير وجهة نظره بعد الرفض الفلسطيني العنيد لهذا الاقتراح. إن بعض التقارير الصحفية الإسرائيلية المستندة إلى مصادر قريبة من الجانب الأميركي تشير إلى أن كيري سيطالب نتنياهو في الجولة القادمة بإزالة المستوطنات اليهودية في الأغوار على نحو تدريجي كما سيضع أمامه شرطاً تعجيزياً وهو أن على إسرائيل تعويض الفلسطينيين عن غور الأردن إذا ما صممت على البقاء فيه بتقديم بديل بالمساحة نفسها في إطار مبدأ تبادل الأراضي.

إن الخرافة قد تهاوت وتهاوت أسانيدها الأمنية، وبالتالي فإن تصميم نتنياهو على هذا الأمر يدخل في باب آخر، وهو باب الأطماع التوسعية الصهيونية في الضفة الغربية.

علينا أن ننتظر موقفاً أميركياً أوروبياً أكثر صلابة في حماية عملية السلام من هذه الأطماع، فلا يمكن أن يظل الموقف الأميركي راعياً للطلبات الإسرائيلية في كل الموضوعات. ألا يكفي أن وعود كيري باتفاقية سلام قد تقلصت إلى اتفاق إطار أو اتفاق مبادئ مرحلي شبيه باتفاق أوسلو الموقع منذ عشرين عاماً، والذي لم تخرج بنا حتى الآن إلى التسوية النهائية نتيجة الأطماع الصهيونية!